[الشرك في الإلهية وذكر بعض صوره]
إن الشرك في الإلهية هو الذي أنزل الله من أجله الكتب، وأرسل من أجله الرسل، وهو الذي دب في الأمة، فكثير من المسلمين الآن مكتوب على بطاقته: مسلم، ولكنه مشرك بالله، ولا يدري أنه مشرك، وقد أشرك بالله في كثير من العبادات.
وضابط شرك الإلهية: أن كل عبادة ثبتت بالكتاب والسنة أنها لله، فصرفها لغير الله شرك.
من صور هذا الشرك المتفشي في الناس: السجود لغير الله جل وعلا، كسجود الأعاجم فارس والروم لملوكهم، وعظمائهم، ولذلك جاء في بعض الأحاديث: (أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم سجد له، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال معاذ: رأيت فارس والروم يفعلون ذلك بملوكهم، وأنت أحق بالسجود منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها) لعظم حق الزوج.
فالغرض المقصود أن السجود لغير الله، كالسجود للصنم أو السجود للمعظمين كما تفعل فارس والروم، من صور الشرك في العبادة، أو الشرك في الإلهية.
ومن صور الشرك في الإلهية: الطواف، بالقبور، فالطواف بقبر البدوي شرك أشهر من نار على علم، فهناك ممن ينتسب إلى الإسلام يطوفون بالقبور حقاً ليس خيالاً، ومنهم الذين يحجون إلى البدوي؛ لأنهم يعتقدون أن الحج إلى البدوي أولى بكثير من الحج إلى الكعبة، بستين حجة أو أكثر، فالطواف عبادة لله جل وعلا، والدليل على أنه عبادة قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩]، والأمر، ظاهر الوجوب.
إذاً: فهذا الطواف عبادة، فصرفه لغير الله شرك.
وجاء أن الطواف من ذكر الله، وإذا كان الطواف من الذكر فهو عبادة، فإذا كان لغير الله كالطواف بقبر فهو من صور الشرك في الإلهية.
وهناك صورة من صور الشرك في الإلهية وهي منتشرة بين الناس: وهي المعالجة من مس الجن، فبسبب الجهل وقع المعالج والمعالج في الشرك، أما الذين يعالجون الناس فيقعون في الشرك وذلك بالاستعانة بالجن والاستعانة بغير الله شرك، وهذا يقع من المعالج.
أما المريض فيقع فيه الشرك؛ لأن كثيراً من المعالجين يقول له: الجني يأمرك أن تذبح فرخة حمراء في بيضاء في سوداء، طولها كذا، فهذا المريض يقوم بالذبح لغير الله تعالى، وهذا شرك؛ لأن الذبح لا يكون إلا لله جل وعلا، والذبح عبادة لله جل وعلا، والدليل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} [الأنعام:١٦٢]، والنسك: هو الذبح، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢].
إذاً: فالذبح عبادة وصرفها لغير الله شرك.
هذا هو النوع الثالث من أنواع الشرك، أي: الشرك في الإلهية، وهو أكبر الكبائر، وهو لا يغفر في الآخرة، وحكم مرتكبه: الدخول في نار جهنم خالداً مخلداً فيها.