أعجب من هذا وذاك: رجل مؤمن أو مسلم عاث في الأرض فساداً، فقام إلى ربه يحاسبه، فقام إلى الميزان والكفتين فوجد كفة السيئات فيها سجلات بلغت عنان السماء، وما وجد في كفة الحسنات شيئاً، فنظر أيمن منه فلم يجد إلا ما قدم من سجلات المعاصي، ونظر أشأم منه فلم يجد إلا النار، فقال: قد هلكت، واستيقن بالهلاك، فقيل له: لك عندنا شيء، فقال: وما عسى هذا الشيء أن يفعل مع هذه السجلات؟ قيل: لا ظلم اليوم، لك عندنا بطاقة، فأخذ البطاقة فوجد فيها: لا إله إلا الله، فوضعت هذه البطاقة في كفة، وتلك السجلات في كفة؛ فرجحت هذه البطاقة على كفة السجلات التي فيها أمثال الجبال العظام من المعاصي؛ لطهارة القلب ونقائه، قال عز وجل:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا}[الإسراء:٢٥]، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ}[الأنفال:٧٠].
إن أتتنا المصائب والبلايا تترى فاعلم أن الطامة من قلوبنا؛ لأننا لسنا صادقين مع الله جل وعلا، ولسنا مخلصين لنصرة الدين، ولسنا نعمل لله، فالذي ينبغي على كل واحد منا أن يصدق مع نفسه، وأسألكم سؤالاً: من منا قام ليلاً فقال: أنا وقف لله، وقتي لله، مالي لله، عملي لله، ما أريد إلا الله، فأنا بالله ولله ومع الله؟ والله لو منا صادق فعل ذلك ليلة واحدة ثم رفع يديه في ذلك الوقت الذي هو وقت إجابة ووقت صدق مع الله جل وعلا، فإن الله سيأتي بالنصر والتمكين لهذه الأمة.
كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، لكن هناك فرق بين من يقولها بصدق قلبٍ وإخلاصٍ مع الله جل وعلا وبين من يقولها بغير إخلاص.
ولذلك عقب ابن القيم على حديث البطاقة فقال: كل يصلي ويصطف خلف الإمام والإمام يقرأ، وكل مستمع وكل يقرأ الفاتحة وكل يسبح وكل يسجد لله جل وعلا، والفرق بين مصل وآخر كما بين السماء والأرض، ما الذي فرق بينهما؟ طهارة القلب وصدق القلب وإخلاص القلب مع الله جل وعلا.