أما بالنسبة للعقل فقد تثبت هذه الصفات لله جل وعلا من وجهين: الوجه الأول: أن الله قد وصف بعض عباده بهذه الصفات، وهذه الصفات صفات كمال، فإن كان للمرء صفات كمال فالقاعدة تقول: كل صفة كمال اتصف بها المخلوق فمن باب أولى أن يتصف بها الخالق، قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:٢] فجعل له السمع والبصر، ولذلك قال:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}[الأحقاف:٢٦]، فالله جل وعلا أثبت لهم هذه الصفات وهي صفات كمال، فمن باب أولى أن يتصف الله جل وعلا بالسمع والبصر، وكذلك الله جل وعلا يتصف بالقدرة، ومازالت العرب تتشرف أمام الناس بالقدرة على القتال، وبالقدرة على الجماع، وتحمل المشاق، وهذه صفة كمال لهم، فمن باب أولى أن يتصف الله جل وعلا بالقدرة كما يليق بجلال سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني: أن هذه الصفات التي يتصف الله بها جل وعلا لو كانت عارية عن أحد، لكانت صفات نقص، فلو لم يتصف الله جل وعلا بهذه الصفات لكانت صفات نقص، والله له الكمال المطلق؛ ولذلك عاب الله جل وعلا على من يعبد من له صفات النقص، ما لا يسمع ولا يبصر ولا يقدر؛ ولذلك قال الله تعالى على لسان إبراهيم:{لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم:٤٢] أي: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يقدر أن يفعل لك خيراً أو يدفع عنك ضراً؟ فهذه من باب العقل صفات نقص، والله له صفات الكمال المطلقة.
إذاً هذه الصفات الثلاث ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة والعقل.
وقولنا: إن الله سبحانه يسمع بسمع فيه رد على المعتزلة الذين قالوا: يسمع بعلم، وقالوا في قول الله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:٥٨] أي: عليماً بأفعال العباد وأقوالهم، فهم لا يثبتون لله سمعاً، لكن نحن نقول: إن الله يسمع.