الطائفة الثانية: الفلاسفة مثل: أرسطو والفارابي وابن سيناء، هؤلاء يقولون: إن القرآن لم يتكلم الله به حقيقة، ولكنه فيض فاض من العلة الفعالة، فسموا الله جل وعلا بالعلة الفعالة، وهذه من الأسماء التي لم يسم الله جل وعلا نفسه، قالوا: فقابل نفساً زكية، يقصدون محمداً صلى الله عليه وسلم، فأوجب لها تخيلات وتصورات، فتصور ملكاً يدعى جبريل، يقرأ عليه كلاماً سماه قرآناً، فأملاه على الناس على أنه من جبريل.
والرد عليهم من وجهين: الوجه الأول: الأدلة التي تثبت أن القرآن كلام الله، كقوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:١٦٤]، فلم يقل الله عز وجل: وكلم الله موسى تخييلاً، أو تصويراً، بل قال الله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:١٦٤]، فتكليماً: مفعول مطلق يؤكد أن الذي صدر منه الكلام هو الله، وهو كلام حقيقي وليس تخيلاً ولا إفاضة على النفس الزكية.
الوجه الثاني: لازم قولهم يضاهي قول مشركي العرب، فقد قالوا: إن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا عنه: شعر من شعره صلى الله عليه وسلم، وهذا مثل كلام الفلاسفة، لكنهم قالوا: هو نفس زكية تتخيل وتتصور بعض الأنوار الملائكية، أو تتصور ملكاً يسمى جبريل يأتيه بهذا الكلام، وهذا الكلام منتقض بقول الله تعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:٤١ - ٤٢].