دلالة هذه الصفة بالعقل من وجهين: الوجه الأول: النظر إلى الكون الشاسع المتقن المحكم الذي فيه كل هذا الإتقان، فإذا أردت أن تنظر هل فيه خلل رجع إليك البصر خاسئاً وهو حسير، قال الله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:٦١ - ٦٢]، فمن تدبر هذا الكون المحكم المتقن من قبل الله جل وعلا، علم أن هذا الإحكام وهذا الإتقان نابع عن إرادة، يعني: أراد الله أن يخلق هذا الكون بهذا الشكل وهذا الإحكام وهذا الإتقان، وهذه الإرادة تستلزم العلم بالمراد، فلا يمكن لأحد يريد شيئاً إلا وهو يعلم هذا الشيء الذي يريده، فالإرادة تستلزم العلم بالمراد.
الوجه الآخر من أوجه الدلالة بالعقل على علم الله: أن الله جل وعلا شرف بعض عباده بهذا العلم، وبين أنه بالنسبة لهم صفة كمال؛ كما قال الله تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف:٧٦]، فعلم يوسف عليه السلام كيف يكيد ليأخذ أخاه، وهذه من صفات الكمال ليوسف، ووصف الله عز وجل يعقوب بأنه عليم فقال:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٦٨]، فهذه صفة كمال في العبد، والقاعدة بين الرب وبين العبد قياس الأولى، فإن اتصف العبد بالكمال فمن باب أولى أن يتصف الخالق بالكمال؛ لأن الخالق هو الذي أوزع وأودع في المخلوق هذه الصفة، فصفة العلم ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة وبالعقل، وأقوال الصحابة كما سنقرؤها من هذا الكتاب.