ومثل ذلك جرى لي لما كنت في الروم حصل في بعض الأيام مطر وثلج وكان قد دعاني أحد مواليها إليه فكتبت إليه معتذراً عن الزيارة بقولي
أمولاي يا شمس المحامد والبها ... ويا واحداً حاز المعالي مع الفخر
إلى بابك العالي أروم زيارة ... فتمنعني الأقدار بالثلج والقطر
فلا تك للداعي المرادي مؤاخذاً ... فمثلك من يعفو عن الذنب والوزر
وكتب المترجم إلي أيضاً ضمن رسالة قوله
أما والله يا بدر المعالي ... ومن قد جاد لي ببديع حبك
ومن أولاك مكرمة ومنا ... وصير جنتي بنعيم قربك
لأنت أعز من طرفي وقلبي ... فسل عما أقول شهود قلبك
ويوم لا أرى ذاك المحيا ... يلوح فذاك يوم عند ربك
وكان بدمشق غلام عراقي بغدادي أسفر وجهه المنير وراق رونق جماله النضير فأنشد المترجم فيه مخبراً عما في الضمير قوله
أفدي عراقياً تملك مهجتي ... باهي الجمال كبدر تمّ مشرق
فنحوت غرباً أبتغيه مموّهاً ... عن عاذلي والقصد نحو المشرق
وأنشد فيه غيره من أدباء دمشق فمنهم السيد حسين بن حمزة الدمشقي الحسيني فقال
أرنو إلى وجهك من غاية ... قصوى وأرضى بقليل النظر
ويقبل الليل فيخفى سني ... وجهك عن عيني ويعشى البصر
فلم ترى يخفيه وهو الذي ... من شآنه اظهار نور القمر
وللمترجم في مدح باب السلام
يا حبذا باب السلام فإنها ... هي جنة تجري بها الأنهار
فاقت على نزه الشآم نضارة ... وبوصفها قد حارت الأفكار
يترقرق الماء الزلال بها كأعم ... دة الرخام طفا عليه غبار
وكأنما الأمواج حين تتابعت ... سفن جرت وتسوقها الأقدار
سلسالها عند الهواء نخاله ... كالثلج يصعد قد علاه نضار
يا حسنها من روضة وغصونها ... قد غرّدت من فوقها الأطيار
ونسيمها وخرير صوت مياهها ... تجلي بها الأحزان والأكدار
لا سيما زمن الربيع وزهره ... تهفو النفوس إليه والخطار
من أمها يبغي التنزه قائل ... لو كان لي قصر بها أو دار
لكنها بمكاره حفت لذا ... يأتونها في خلسة أخيار