للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكر على الدهر كرة ياسل ... فهاض بها عظمي وفت فؤاديا

ولكنني منيت نفسي نعلة ... بأن الذي يقضي يقرب قاصيا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا نلاقيا

فعذراً مولاي لمن هو أخرس من سمكه ... وأشد تخبطاً من طائر في شبكه

فأجابه المنيني المذكور نظماً ونثراً فقال

أضوء صباح لاح يجلو الدياجيا ... أم الفلك الأعلى يجيل الدراريا

أم الكون يجل في مروط مسرة ... منمنم برد الصفو أزهر زاهيا

أم أفتر ثغر الدهر بالبشر والمنى ... وأصبح طلق الوجه يدنى الأمانيا

أم الفكر من روض البلاغة يجتني ... أزاهر آداب ويرعى أقاحيا

وما بال أرض الروم تندي رياضها ... وينفح مسكاً تربها وغوليا

كأن نسيم النير بين عشية ... بهاجر ذيلاً عاطر النشر ضافيا

ومالي أرى الأغصان تهتز معطفاً ... إذا عندليب الروض غرد شاديا

وتختال سكراً في رباها إذا احتست ... مدامة طل قد ترقرق صافيا

وقد تخذت تيجانها من زبرجد ... مرصعة من زهرها بلآليا

وأصغت بآذان لها سندسية ... كما استصرخ المرتاد جرداً مذاكيا

كأن بها شوقاً ملحاً ونشطة ... تسمع ما أضحى له الدهر رأويا

فواف من الشعر البديع بيانه ... أتت للمعاني السافرات قوافيا

عقيلة فكر تزدهي في ملابس ... من الحسن أضحت تستثر التصأبيان

حوت حر أنواع الكلام جزالة ... ودقت معانيها ورقت حواشيا

ووافت كزهر الروض ثندي غضارة ... ويعبق من أنفاسها المسك زاكيا

وهاجت لي الشوق المبرح وانثنت ... تذكرني ما لم أكن قط ناسيا

وماست دلالاً فاستثارت بدلها ... كوامن أشجان الفؤاد الاقاصيا

عليها بداً من رونق السحر مسحة ... تريك المعاني الشاسعات دوانيا

تدفق عن ماء البلاغة لفظها ... فروى من الأذهان ما كان صاديا

وقد أسكر الأسماع صرف مدامها ... فأضحت بها الأفكار نشوى صواحيا

أتتني من خل بعد مزاره ... على أنه في القلب ما زال ثأويا

هو البارع المفضال والأوحد الذي ... غدا الدهر من ألفاظه الغر حاليا

همام أطاعته القوافي وطالما ... على غيره أضحت صعاباً عواصيا

وقد سال منه الطبع عن ماء مزنه ... يسنح سحاباً بالفضائل هاميا

<<  <  ج: ص:  >  >>