للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ) .

أبو عبيدة: إذ زائدة، وأنشد:

فَإِذَا وَذلِكَ لاَ مَهَاةَ لذِكْرِهِ. . . وَالدَّهْرُ يَعْقُبُ صَالِحاً بِفَسَادِ

وأنكر الزجاج وغيره هذا، وليس في البيت أيضاً ما استدل له، وقال

بعضهمٍ: خلقكم إذ قال، وقيل: واذكر إذ قال، وعلى هذا يكون مفعولاً به، لا ظرفا، ويحتمل أنه ظرف، لقوله: "قالوا".

(لِلْمَلَائِكَةِ) هو جمع ملك (١) .

نضر بن شميل: العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات علمه.

غيره: مشتق من الألوك، وهو الرسالة، وسميت ألوكاً، لأن صاحبها يألكها

في فيه، من قولهم: الفرس يألِك اللجام. وأصله مائلك ثم قلب فصار

ملاكاً، ثم نقل فصار ملكاً، فلما جمع ردت الهمزة وزيدت الهاء لتأنيث

الجمع، وقيل، للمبالغة، ووزنه على هذا مَفاعِله، وإنما قلب لأن معناه قد

يأتي مقلوباً في نحو قولك: ألِكْني إلى فلان، أي كن رسولي إليه.

قال:

ألِكني إليها عمرَك اللَّهَ يا فتى. . . بآية ما جاءت إلينا تَهاديا

وأصله ألاكني، فنقلت الحركة في الهمزة إلى اللام.

وقول الهذلي:

ألِكْنِي وَخَيْرُ الرَّسُو. . . لِ أَعْلَمُهُمْ بنواحِي الخَبَرْ


(١) قال السمين:
و «للملائكة» متعلِّقٌ ب «قال» واللامُ للتبليغ. وملائكةٌ جمع مَلَك. واختُلِف في «مَلَك» على ستة أقوال، وذلك أنهم اختلفوا في ميمِه، هل هي أصليةٌ أو زائدةٌ؟ والقائلون بأصالتها اختلفوا، فقال بعضهم: مَلَك ووزنه فَعَل من المُلْك، وشذَّ جمعُه على فعائِلة فالشذوذ في جَمْعِه فقط. وقال بعضهم: بل أصلُهُ مَلأّك، والهمزةُ فيه زائدةٌ كشَمْأَل ثم نُقِلَت حركةُ الهمزة إلى اللام وحُذِفَت الهمزةُ تخفيفاً، والجمعُ جاء على أصلِ الزيادةِ فهذان قَوْلان عند هؤلاء. والقائلون بزيادتها اختلفوا أيضاً، فمنهم مَنْ قال: هو مشتقٌّ من «أَلَك» أي: أرسل ففاؤُه همزةٌ وعينه لام، ويدلُّ عليه قوله:
أَبْلِغْ أبا دَخْتَنُوسَ مَأْلُكَةً. . . غيرَ الذي قد يُقال مِلْكَذِبِ
وقال آخر:
وغلامٌ أَرْسَلَتْه أمُّه. . . بِأَلوكٍ فَبَذَلْنَا ما سَأَلْ
وقال آخر:
أَبْلِغِ النُّعْمانَ عني مَألُكا. . . أنَّه قد طالَ حَبْسي وانتظاري
فأصل مَلَكَ: مَأْلَك، ثم قُلِبت العينُ إلى موضع الفاء، والفاءُ إلى موضع العين فصارَ مَلأَكاً على وزنَ مَعْفَل، ثم نُقِلَتْ حركةُ الهمزةِ إلى اللامِ وحُذِفَتِ الهمزةُ تخفيفاً، فيكونُ وزنُ مَلَكَ: مَعَلاً بحَذْفِ الفاء. ومنهم مَنْ قال: هو مشتقٌّ من لأَك أي أرسل أيضاً، ففاؤُه لامٌ وعينُه همزةٌ ثم نُقِلَت حركةُ الهمزةِ وحُذِفَت كما تقدَّم، ويَدُلُّ على ذلك أنه قد نُطِقَ بهذا الأصلِ قال:
فَلَسْتُ لإِنْسِيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ. . . تَنَزَّلَ من جَوِّ السماء يَصُوبُ
ثم جاء الجمعُ على الأصلِ فَرُدَّتِ الهمزةُ على كِلا القَوْلينِ، فوزن ملائِكَة على هذا القول: مفاعِلَة، وعلى القولِ الذي قبلَه: معافِلَة بالقلب. وقيل: هو مشتقٌّ من: لاكَه يَلُوكه أي: أداره يُديره، لأنَّ المَلَكُ يُديرُ الرسالةَ في فيه، فأصل مَلَك: مَلْوَك، فنُقِلَتْ حركةُ الواوِ إلى اللامِ الساكنةِ قبلها، فتحَرَّك حرفُ العلة وانفتح ما قبلَه فَقُلب ألفاً فصارَ ملاكاً مثل مَقَام، ثم حُذِفَت الألفُ تخفيفاً فوزنُه مَفَل بحذفِ العينِ، وأصلُ ملائكة ملاوِكة فقُلبت الواوُ همزةً، ولكنَّ شرطَ قلبِ الواوِ والياءِ همزةً بعد ألفِ مفاعل أن تكونَ زائدةً نحو عجائز ورسائل، على أنه قد جاء ذلك في الأصليّ قليلاً قالوا: مصائِب ومنائِر، قُُرئ شاذاً: «معائِش» بالهمز، فهذه خمسةُ أقوال. والسادس: قال النضر بن شميل: «لا اشتقاقَ للملك عند العرب» .
والهاء في ملائكة لتأنيث الجَمْع نحو: صَلادِمة. وقيل للمبالغة كعلاَّمة ونسَّابة، وليس بشيء، وقد تُحْذَفُ هذه الهاء شذوذاً، قال الشاعر:
أبا خالدٍ صَلَّتْ عليكَ الملائِكُ. اهـ (الدر المصون. ١ / ٢٤٩: ٢٥١)

<<  <  ج: ص:  >  >>