للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطريقُ ذلِك اتِّباعُ نُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ، ومُطالَعَةُ فُهومِ سلفِ الأمَّةِ، وما هذه المذاهِبُ الأَربعَةُ المُتَّبَعةُ السُّنِّيَّةُ، وأقاويلُ أئِمَّتِها وعلمائِها الفِقهيَّةُ إلَّا آلةً تَنْسَبِكُ فيها الأبوابُ، وتَنتظِمُ فيها مَسائِلُ العلمِ في الكتابِ، وتُعرَفُ بها مَناطاتُ الأحكامِ، وإشاراتُ الأئمَّةِ الأعلامِ، ويُلمسُ مِن خِلالِها النظائِرُ والمُتَشابِهاتُ، وتَتَّضحُ الفوارِقُ والمُختلِفاتُ، فَيَتَمَكَّنُ النَّاظِرُ فيها مِن مَعرفِةِ مَوارِدِ الأدلَّةِ، وسَننَ استنباطِ الحُكمِ والعلَّةِ، فإذا خالَفَ قَولُ إمامٍ مِن الأئمَّةِ - بعدَ اجتهادٍ ونظرٍ - مَدلولَ الكتابِ والسُّنَّةِ، فقد وَقَع أجرُه على اللهِ، ولا يَسوغُ لنا مُتابعتُه في ذلك، بل المُتَعيِّنُ أنْ يَسيرَ الموفَّقُ مِن المُتعلِّمِين في طريقِه بِعَينيْنِ، ويَلْحَظَ في سَبيلِه بِنَظريْنِ، فَعَينٌ تَلحظُ عُلومَ الأوَّلينَ، وتَتَرحَّمُ على علمائِه السَّالِفينَ، وعَينٌ تَلحظُ مُرادَ اللهِ، وتَأْرِزُ إلى النُّصوصِ الموصلةِ إلى محبوبِ الإلهِ، فَيَعبدُ اللهَ على بَصيرةٍ، ويَسلَمُ مِن الوُقوعِ في المَزالِقِ الخَطيرَةِ، فتلِك واللهِ الطَّريقُ الوسطُ، الَّتي لا وَكْسَ فيها ولا شَطَط، أقامَنا اللهُ على السَّبيلِ المستقيمِ، وألْزَمَنا هَديَ نبيِّه القويمِ، وغَفَر لنا زَلَّاتِنا إنَّه غفورٌ رحيمٌ.

ثُمَّ إنَّ مِن علاماتِ التَّوفيقِ، سُلوكَ المُتعلِّمِ الجَادَّةَ المَألوفَةَ في التَّعلُّمِ، وإنزالَ المَطايا عندَ كلِّ مَتنٍ بِحفظِ مَسائِلِه، وتَكرارِ النَّظرِ في دَلائلِه، حتَّى يَقضِيَ فِيه نَهمَتَه، ويَقْطُفَ مِنه ثَمَرتَه، ثُمَّ يَرتقي إلى ما بعدَه ممَّا هو أعلى منه رُتبةً، وأَمتنُ منه فائِدةً، فيُكرِّرُ تلك المسائلَ مَرَّةً أُخرى بمعناها، ويَستزيدُ مَسائِلَ أُخرى حتَّى يَبلُغَ مُنتَهاها، فيَشتَدَّ عُودُ عَقلِه، ويَقوى صُلبُ فَهمِه، ويَأنَسَ مِن نفسِه قُدرةً على المُطالعةِ والمُناقشةِ.

<<  <   >  >>