وقوله:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التغابن:١] ، (كل) : كلمة تدل على العموم، فلا يجوز أن يخرج منها شيء، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإذا جاءت في مثل هذه الآية فهي عامة مطلقةً لا يجوز أن يخرج منها شيء، فقدرة الله جل وعلا غير محدودة، ولا يجوز أن نقيدها بما يقوله أهل الشك والريب الذين تأثروا بالمنطق وبالكلام الفاسد الذي أورث الشكوك، حتى صاروا يقيدون قول الله جل وعلا في مثل هذه الآية بالأمور التي تدل على الريب، بل ربما دلت على الكفر بالله جل وعلا، ويتبعون في هذا أهل الزندقة، وأهل محاربة الله جل وعلا ومحاربة دينه، الذين يقصدون تشكيك المسلمين في ديانتهم! فمثلاً يقولون: خرج من ذلك أمور، منها: أنه لا يقدر أن يخلق مثل نفسه، ومنها أنه لا يقدر أن يفني نفسه، وما أشبه ذلك من الخزعبلات، وهذه تقديرات ووساوس شيطانية لا حقيقة لها في الواقع؛ لأن هذا من المستحيل، فالله هو الفرد الصمد الذي لا نظير له ولا مثل له، ومن المستحيل أن يوجد إله آخر كما سيأتي، فالإنسان يعرف من نفسه أنه لا يمكن أن يكون حياً ميتاً في آن واحد، وكذلك يستحيل أن يجتمع العدم والوجود في آن واحد، وكذلك يستحيل أن يكون الإنسان متحركاً ساكناً في آن واحد، وهكذا الأمور المتضادة، يستحيل اجتماعها وهذا منها.
فقولهم هذا وساوس، ولكن قد ينطلي على بعض الجهلة؛ فلهذا لا يجوز الالتفات إليه بحال من الأحوال، فضلاً عن أن يؤتى ويقيد به كلام الله، كما ذكر السيوطي عفا الله عنا وعنه في تفسيره في آخر سورة المائدة، عند قوله تعالى:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة:١٢٠] ، قال: وخص العقل من ذلك ذاته فليس عليها بقادر! وهذا أخذه عن المتكلمين الذين يوجدون هذه الأمور لتشكيك الذين ليس عندهم المقدرة على المعرفة التي يعرفون بها ربهم.
ثم إن (كل) إذا أضيفت إلى مخلوق فإنها تكون بحسب الإضافة، كقوله جل وعلا في الريح التي أرسلها على عاد:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف:٢٥] ، أي: كل شيء أمرت بتدميره، وإلا فهي لم تدمر الجبال، ولم تدمر التراب، ولم تدمر أشياء كثيرة، وإنما دمرت ما أمرت بتدميره من الآدميين ومساكنهم وحروثهم وأنعامهم.
وكذلك قوله في ملكة اليمن:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:٢٣] ، أي: أوتيت من الأشياء التي تصلح للملك وتصلح للملوك في وقتها.