وجملة الناس في مسألة علو الله: قسم: وصفوه بالمتقابلات المتنافيات بل الممتنعات في العقل، وهم الجهمية ومن سلك طريقهم فقالوا: لا فوق ولا تحت، ولا خارج العالم ولا داخل العالم، وليس له مكان ولا يجري عليه زمان، فيأتون بالأمور المتقابلة المتنافية التي يستحيل في العقل أن الشيء موجوداً إذا نفيت هذه الأمور، ولهذا قال العلماء من أهل السنة: الجهمية يعبدون عدماً، وأما الذين قابلوهم فهم يعبدون صنماً، ومنهم من يقول: الجهمية لا يعبدون شيئاً والمشبهة أو الحلولية يعبدون كل شيء.
ولا شك في بطلان هذا القول عقلاً وفطرةً وشرعاً.
القسم الثاني من أقسام الناس: وهم الذين وصفوه بأنه في كل مكان تعالى الله وتقدس، فجعلوه فوق العرش وتحت الثرى، وجعلوه فوق العالم وداخل العالم -تعالى الله وتقدس- وهذا المذهب عكس المذهب الذي قبله، وكلاهما باطل وكفر بالله جل وعلا.
المذهب الثالث: وهو قول أهل الحق أهل السنة: أنه فوق عرشه بائن من خلقه وهو أيضاً معهم محيط بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وهذا الذي دلت عليه الأدلة وهو الذي يقرره الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب وغيره، وهو الذي تتفق عليه أدلة الشرع وأدلة العقل والفطرة وإجماع أتباع الرسل.
وقوله:(على حقيقته) يعني: أن العلو على الحقيقة، فهو جل وعلا عالٍ على خلقه، والمعية على الحقيقة ولكن الحقيقة كما سبق أن المعية معناها: المصاحبة، والمصاحبة تكون بحسب ما أضيفت إليه كما سبق التمثيل لذلك.
يقول الإنسان: معي مالي، وإن كان ماله في بلد وهو في بلد، ويقول: معي زوجتي وإن كانت زوجته في بلد وهو في بلد، يقول الله جل وعلا:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح:٢٩] يعني: على الإيمان والجهاد، وهكذا في كل ما يأتي، فكلمة (مع) تدل على معنىً ظاهر يدل عليه السياق.
فإذا قال الله جل وعلا:(وهو معكم) فمعيته جل وعلا على ظاهرها: فإما أن تقتضي الإحاطة والاطلاع والعلم، وأنهم في قبضته لا يخرجون عن ذلك، وأنهم على مرأى ومسمع منه، أو تقتضي أنهم في حفظه ونصره وتأييده، فإن كانت مع المحسنين ومع المؤمنين ومع المتقين ومع النبيين فهي تقتضي النصر والتأييد والحفظ والكلاءة، وإن كانت عامة فهي تقتضي الاطلاع وأنهم في قبضته وأنهم لا يفوتونه، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، فيعلم ذلك ويبصره ويسمعه وهو محيط بهم.