قوله:(وأن الله تكلم به حقيقة) وأنه بلفظ وصوت وحروف، ولهذا جاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قارئ القرآن:(إن في كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) وكونه يوصف بأنه حروف فهذا قد ورد في كثير من المواضع، وأما كونه أصوات فقد قال الله جل وعلا:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}[التوبة:٦] ، وقال جل وعلا:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}[الفتح:١٥] ، وقال جل وعلا:{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة:١٣] وفي آيات كثيرة يقول جل وعلا: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ}[الزمر:١] ، ويقول جل وعلا:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ}[الشعراء:١٩٣-١٩٤] ، ويقول:{نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ}[النحل:١٠٢] .
وسبق أن التنزيل جاء على ثلاثة أقسام: قسم: مقيد بأنه من الله، وهذا للقرآن خاصة ولم يأت في غيره.
وقسم: مقيد بأنه من السماء، وهذا يكون للمطر ويكون للملائكة ويكون لغير ذلك مما يشاء الله جل وعلا.
وقسم: مطلق، كقوله:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر:٦] ، وقوله:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}[الحديد:٢٥] فهذا أيضاً كالقسمين الذين قبله في لغة العرب، فالنزول لا يعقل إلا أن يكون من العلو إلى السفل، ولكن نزول الأزواج كما قال العلماء: يجوز أن يكون من ظهور الفحول أو من بطون الإناث، أو يُقصد الأمران معاً، ونزول الحديد يجوز أن يكون من الجبال المرتفعات، أو من حيث خلقه الله جل وعلا فيها، أما أن يكون من السفل ويسمى نزولاً فهذا لا يعرف، وأما القسمان الأولان: المقيد بأنه من الله فهو يدل على علوه ويدل على أنه صدر منه تعالى وتقدس، وأما كونه من السماء فيكون حسب السياق والتقييد الذي جاء به.