أما سلامة القلوب فمعناها: أن تسلم القلوب من الغل والحقد والبغضاء، فلا يبغضونهم، ولا يحقدون عليهم، وليس في قلوبهم لهم غل، بل لابد أن القلوب تكون على عكس ذلك، فيتسلم من هذه الأمور، ويكون فيها حبهم، وموالاتهم، واعتقاد فضلهم، ومعرفة مقاماتهم، وتقدمهم، وأنهم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء، وألسنتهم كذلك تسلم من سبهم، ولعنهم، وإيذائهم، وثلبهم، وذكر ما يمكن أن يكون فيه تنقص لهم.
فمن أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله بذلك في قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:١٠] ، هذه صفة كل من يأتي بعد الصحابة إلى يوم القيامة من أهل الإيمان، فإن كان بهذه الصفة فهو منهم، وإلا لم يدخل فيهم.
وقوله تعالى:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا}[الحشر:١٠] يعني: أنهم يدعون لهم ويستغفرون لهم لأمور: الأول: أنهم سبقوهم بالإيمان، وأنهم هم الذين نقلوا إليهم الإيمان والشرع، فهم الذين بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم الدين، وهم الواسطة بيننا وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم في نقل ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه عن ربه جل وعلا.
الثاني: قيامهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهادهم معه، وإنفاقهم ونصرتهم له.
الثالث: تعلمهم من الرسول صلى الله عليه وسلم العلم والإيمان بلا واسطة.
وهذه أمور تميزوا بها لا يمكن أن يشاركهم فيها غيرهم إلا في التبليغ والدعوة، فكل من قام بالدعوة والتبليغ فله نصيب مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصيب من قوله جل وعلا:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف:١٠٨] .
وقوله:{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر:١٠] ، الذي يكون عنده الغل يشتمل على الحسد، وعلى البغضاء والكراهية والحقد، وعلى كل ما يمكن أن يكون مؤدياً إلى الأذى وعدم المحبة والرضا.
وقوله:{لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر:١٠] ، هذا مطلق، وأولى من يدخل فيه هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.