قوله:(اقض عني الدين) هذا هو الدعاء المقصود، والأول كله توسل وثناء على الله جل وعلا، والدعاء أتى بعد ذلك، (اقض عني الدين، وأغنني من الفقر) وهذا يدلنا على خطر الدين، وينبغي للإنسان أن يهتم به؛ لأنه حق الغير، والعلماء يفسرون هذا بما هو أعم من الدين الخاص الذي هو دين الإنسان، فيعم كل حق، أي: اقض عني كل حق، فيدخل فيه حق الله جل وعلا وحق المخلوق.
وقوله:(أغنني من الفقر) يدلنا على أن الفقر يستعاذ منه، وأن الغنى مطلوب، ولا ينافي هذا كون الرسول صلى الله عليه وسلم اختار أن يشبع يوماً ويجوع يوماً صلوات الله وسلامه عليه، فإذا شبع حمد الله وأثنى عليه، وإذا جاع ذكر ربه وسأله، فإنه صلوات الله وسلامه عليه أكمل الخلق، ولكن ليس كل الناس هكذا، فالفقر قد يكون كفراً؛ لهذا جاء في الأثر:(كاد الفقر أن يكون كفراً) وذلك أن الإنسان إذا افتقر قد يبذل دينه لدنيا يريدها، والفقر في اصطلاح بعض الفقهاء أخص من المسكنة، فالفقير أشد حاجة من المسكين؛ فلهذا يقول الفقهاء: الفقير من وجد نصف الكفاية أو أقل، والمسكين: من وجد نصف الكفاية فأكثر، واستدلوا على هذا بقوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}[الكهف:٧٩] فسماهم مساكين ولهم سفينة، ولكن إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر.