للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الثانية من مراتب الدرجة الأولى من درجات القدر: الكتابة]

الشيء الثاني: الكتابة أنه كتب علمه بالخلق الذي سيقع، والكتابة: هي إثبات العلم وليس لأجل أنه ينسى تعالى الله وتقدس: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:٦٤] تعالى وتقدس ولكن لحكمته فهذه الدرجة أيضاً يجب الإيمان بها، ففي سنن أبي دواد وغيرها عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة) يعني: أنه خلق القلم فأمره بالكتابة، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) والنصوص في هذا كثيرة.

والكتابة تنقسم إلى: كتابة عامة، وكتابة خاصة، وهذا سيأتي ذكره عند ذكر المؤلف له.

وقوله: (ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق) اللوح المحفوظ: محفوظ عن الاطلاع عليه والمشاهدة من قبل الخلق، وحفظ عن التغيير والتبديل والزيادة والنقص، أما صفته وأين هو؟ فهو بلا شك في السماء، ولكن لا نعرف صفته، وإنما علينا أن نؤمن بأن كل شيء كتب فيه، واللوح هو محل الكتابة، وهذه الكتابة جرت بأمر الله وقدرته، والقلم أمر بالكتابة فكتب، والقلم ليس عليماً بكل شيء، وإنما الله جل وعلا أمره بالكتابة فكتب بقدرة الله الأشياء التي علمها الله، والخلق لا يعلمون ذلك حتى الملائكة.

وهذه كتابة عامة شاملة ويجب الإيمان بها، ولا يطلع على اللوح أحد من خلقه إلا من يطلعه على شيء من جزئياته ممن يشاء من الملائكة وغيرهم.

وقوله: (فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفنا، وليس معنى ذلك الإخبار بأن القلم هو أول المخلوقات، فهذا ليس مقصوداً بدليل حديث عبد الله بن عمرو فإنه قال: (كتب الله مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) فالكتابة حصلت والعرش كان على الماء، فالماء والعرش موجودان وقت الكتابة, ومعلوم أن العرش والماء مخلوقان من المخلوقات، وهذا في صحيح مسلم، فالصواب في هذا كما قال أهل التحقيق: إن قوله: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) جملة واحدة، والمقصود بها: أن الكتابة حصلت بعد خلق القلم مباشرة بدون فاصل، بل لما خلقه أمره بالكتابة، هذا معنى قوله: (أول ما خلق الله القلم) .

وقوله: (ما هو كائن إلى يوم القيامة) المقصود به: الأمور التي تحصل من الدقيق والجليل فكلها مكتوبة.

إذاً: فالدرجة الأولى: الإيمان بعلم الله العام الشامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>