[مذهب الأشاعرة والماتريدية في الكلام]
من المعلوم أن الإيمان بالله جل وعلا يدخل فيه الإيمان بجميع صفاته، ومن صفاته تعالى أنه يتكلم، وكلامه جل وعلا يتعلق بمشيئته، أعني: أنه إذا شاء تكلم، وإذا لم يشأ لم يتكلم، وهذا هو الكمال.
وقد اختلف الناس كثيراً في مسألة الكلام كما سبق الإشارة إلى ذلك في الدرس السابق، وقد بقي في مسألة الكلام بعض الشبه التي ذكرها أهل البدع، ومنعتهم من القول بأن الله جل وعلا يتكلم حقيقة، وقبل أن نذكر بعضها نذكر أصلاً تفرقوا عنه كلهم، وهو الذي انحرفوا بسببه، وتركوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهو أنه ارتسم في أذهانهم أولاً: أن الصفات التي يتعرف الله جل وعلا بها إلى خلقه من جنس ما يتعارفون، سواء صفات الأفعال أو صفات الذات، فصاروا ينفون هذا الذي علق في أذهانهم إلى أن صاروا إلى التعطيل، غير أن بعضهم لما كانت النصوص في كثير من الصفات جلية واضحة، لم يستطع أن يردها رداً كلياً، فصار إلى التأويل الذي هو في الحقيقة تحريف وليس تأويلاً.
فانقسموا على هذا الأساس إلى أقسام، ولكن من هؤلاء الطوائف من انقرض إلى غير رجعة -بإذن الله- وانتهى، وصار الكلام معهم لا فائدة فيه، بل صاحب البدعة إذا كان له بدعة يجب أن لا تذكر؛ حتى لا تعلق في أذهان الناس، بل ينبغي أن تنسى وتمات.
ومنهم من هو موجود يكتب في بدعته، ويزعم أنه على الحق، وهؤلاء كثيرون وليسوا قلة، ومن هؤلاء الأشاعرة والماتريدية، فإنهم منتشرون في جميع بلاد المسلمين، والكتب في مذهبهم كثيرة جداً، وهؤلاء يثبتون لله جل وعلا سبع صفات، وهي: الحياة، والسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والكلام، والإرادة، ويسمونها الصفات المعنوية، ويقولون: إن نصوص السمع والعقل تضافرت عليها.
وليس إثبات هذه الصفات دون الأخرى له معنى، ولكن هكذا أداهم اجتهادهم إلى إثبات هذه السبع، والحقيقة أنهم لا يثبتون هذه الصفات.
فمن تلك الصفات السبع: الكلام، وهو عندهم واحد قائم بالرب جل وعلا.
وعلى الإنسان أن يفكر في هذا التعريف، فإن كل كلمة منه وضعت عن تبصر وإرادة، ولهذا قسموا الكلام إلى قسمين: كلام يكون في النفس وهو: المعنى القائم بالنفس أو بالذات، وكلام ينطق به ويكون بالحرف والصوت، وهذا الثاني ممتنع أن يكون الله جل وعلا متصفاً به، فلا يجوز عندهم أن يكون كلام الرب جل وعلا متصفاً بأنه يسمع، ولا أن يكون بحروف.
وإنما يمكن أن يمثل كلام الله جل وعلا بما إذا كان هناك إنسان لا يقدر على الكلام، وعنده من يفهم ما في نفسه، بواسطة أحوال تجري أو لكثرة ما ينظر إليه، فيعبر عما في نفسه، فيقول: إنه يقول كذا وكذا، وهنا نسأل عن أيهما أكمل: الذي تكلم عما في نفسه، أم الذي نقل كلامه الذي في نفسه؟ من المعلوم أن الله جل وعلا عاب على الكفار أنهم يعبدون ما لا يكلمهم، ولا يرد عليهم جواباً إذا كلموه.