[استفاضة أحاديث الرؤية عن النبي عليه الصلاة والسلام]
هذا الحديث جاء عن عدد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعض العلماء: إنه بلغ حد التواتر، أما الاستفاضة فهذا لا إشكال فيه، فإنه مستفيض عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لهذا يقول يحيى بن معين: عندي سبعة عشر حديثاً في الرؤية كلها صحيحة.
وبلغت أكثر من ذلك، وقد ألف العلماء في هذه المسألة مؤلفات خاصة كـ الدارقطني والآجري وغيرهما وهي معروفة عند أهل العلم؛ وذلك لأن هذه مسألة عظيمة جداً، فأهل السنة يتميزون بإثباتها، خلافاً لأهل البدع، وهذا القول من الرسول صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون ربكم) فيه تأكيدات بليغة أكدت بإن ثم بالسين التي تدل على التأكيد أيضاً، ثم بالفعل وكل هذه تأكيدات بليغة، مع أنه كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لو أن إنساناً تكلف أن يأتي ببيان أكثر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع أن يأتي بكلام فيه بيان إثبات الرؤية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطي البلاغة والفصاحة، كما أنه من المعلوم أنه أعرف الخلق بالله جل وعلا وبما يجب له وما يستحيل عليه، وقد وكل الله جل وعلا إليه بيان الإيمان للناس، وبيان ما أنزل إليه.
وهناك أمور كثيرة تدل على وجوب اعتقاد أن ظاهر قوله حق يجب أن يؤخذ به، ومن المعلوم أن أهل السنة لا يترددون في هذا، بل غاية مقصودهم أن يسأل أحدهم أن يمكنه ربه جل وعلا من رؤية وجهه الكريم يوم القيامة، والغريب أن هؤلاء الطوائف المبتدعة ينكرون أفضل ما يجزي به رب العباد عباده، وأفضل ما ينعم به عليهم، وهذا بناء منهم على بدعهم الضالة، وأهل السنة والجماعة إنما يثبتونه بحسب النصوص وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة متواترة على ذلك كما تقدم.
وهو ثابت في عرصات القيامة في المواقف أنه يرى جل وعلا، يراه عباده المؤمنون وكذلك إذا دخلوا الجنة، وهذا هو الذي يكون نعيماً، كما أن الأول أيضاً من النعيم والكرامة، ومقابل النعيم العذاب، فإن الكفار يحجبون عن رؤية الله جل وعلا تعذيباً لهم.
أما لماذا أنكروا ذلك؟ ومن الذي أنكره؟ فالذين أنكروه كما يقول عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني يقول: أجمع أهل العدل كافة على عدم الرؤية، والزيدية والخوارج وبعض المرجئة.
أما قوله: أهل العدل فمقصوده بأهل العدل هم المعتزلة، فهم يسمون أنفسهم: أهل العدل، والعدلية مع أنهم أهل الجور والظلم بلا إشكال، وهذا شيء معروف، أما لماذا أنكروا الرؤية مع أنه قد تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فلأنهم يستندون إلى العقل، ويقدمونه على الكتاب والسنة.