أما الشبه التي يصح أن نقول: إنهم غبروا بها في وجه الحق، أي: مجرد غبار فقط، وإلا فإنها لا تؤثر على أهل الحق في شيء ولا تنطلي عليهم، ولكن بعض الناس قد يخفى عليه خلط الباطل ولبسه بشيء من الحق، فيحتاج إلى كشف ذلك وإيضاحه، فتلك الشبه مبناها على الأصل الذي ذكرنا، وهو أن التشبيه ارتسم في أذهانهم أولاً، فصاروا على أساس هذا التشبيه ينفون الصفات التي يتصف الله جل وعلا بها.
فقالوا مثلاً: نحن نعرف أنه لا يحصل الكلام إلا بلسان وشفتين ولهاة وحنجرة وأحبال صوتية والله منزه عن ذلك.
ونحن نقول: هذا في حق البشر، فكيف يكون علة لمنع كلام رب العالمين؟! وهذا دليل على أنهم شبهوا أولاً، فأرادوا أن ينفوا صفة الرب جل وعلا على أساس هذا التشبيه، وهم لم ينطقوا أنهم شبهوا بل يقولون: نحن أبعد الناس عن التشبيه، ولكن الواقع أن الذي حملهم على التعطيل والتأويل الباطل هو التشبيه المستكن في نفوسهم، وإلا فكيف ينفى كلام الله جل وعلا على أساس أن الكلام المتعارف عليه هو ما كان في اللسان والشفتين إلى آخره، وقالوا: إذا أثبتنا الكلام فإنه يلزم منه أن نثبت هذه الأشياء لله تعالى.
وهذا من أبطل الباطل، لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء في ذاته، كما قال جل وعلا:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم:٦٥]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:٤]{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢٢] ، فهذه الآيات كلها تبطل هذا الزعم، هذا من حيث الجملة.