وقوله:(ومن غير تكييف) التكييف: هو طلب معرفة كيفية الشيء، وأهل السنة لا يسألون عن الكيفية؛ لأن الكيفية لا مطمع فيها، وذلك أن الكيفية تتطلب أمرين لا بد منهما: أحدهما: المشاهدة، بأن ترى الموصوف وتشاهده بعينك؛ لأن الكيفية هي حالة الشيء على ما هو عليه، فتستطيع أنك تذكر ذلك، والله ولا يرى ولا يشاهد لأنه غيب.
الأمر الثاني: وهو أن يكون له نظير نراه ونشاهده، والله جل وعلا ليس له نظير تعالى وتقدس، وبذلك ينقطع الطمع في الحصول على الكيفية، والله جل وعلا لا يدرك ولا يحاط به، وإن رئي في الآخرة فالرؤية تكون لوجهه جل وعلا ولا يحيطون به علماً.
وليس كما يقول أهل البدع: إن نفي الإحاطة يدل على نفي الرؤية، كلا، ولكن الإحاطة أن يدرك الشيء من جميع جوانبه، والله جل وعلا أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء فهو لا يدرك ولا يحاط به، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا بأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك، كما قال جل وعلا في قصة موسى وأصحابه لما رأوا فرعون وجنوده والبحر أمامهم قال أصحاب موسى له:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي}[الشعراء:٦١-٦٢] ، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦١-٦٢] .
أما الشيخ رحمه الله فقد عدل إلى كلمة: تمثيل، بدل كلمة: تشبيه، ممن يكتب في العقائد يقول:(بلا تكييف ولا تشبيه) وهو يريد أن تكون هذه العقيدة صافية ليس فيها كلمة من كلام أهل البدع، أو كلمة ليست في الكتاب والسنة؛ لأن كلمة التشبيه لم يأت نفيها في الكتاب والسنة ولم يأت إثباتها، فهذا السر في عدوله إلى كلمة التمثيل، والتمثيل جاء نفيه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] فالتمثيل هو المماثلة التي تقتضي مشابهة ولو بصفة من الصفات ولو بحق من الحقوق.