أهل السنة لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة؛ بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء:٩٢] ، وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال:٢] ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) .
ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم] .
ينتقل المصنف رحمه الله إلى مسألة الإيمان، فيقول:(ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل) .
قوله:(أن الدين والإيمان) : المعروف أن العطف يقتضي المغايرة، فالإيمان يكون غير الدين، فالدين المقصود به الشيء الذي يدان به، أي: أمر الله ونهيه، وأمر الله ونهيه يجوز أن يفعل ويجوز أن يترك، أما الإيمان فهو الذي يتعلق بالمخلوق، والذي يوجد من المؤمن، هذا هو الفرق.
والدين أمرٌ ونهي وعقيدة (نية) وكذلك الإيمان، وقد قالوا: إن الإيمان في اللغة التصديق، ونازع في هذا بعض العلماء، وقالوا: إنه تصديق خاص.
وأما في الشرع: فهو قول وعمل وعقيدة، وهذا تعريفه عند أهل السنة، والقول يشمل قول القلب، وقول اللسان؛ ولهذا اقتصر بعض أهل السنة على أنه قول وعمل فقط.
وبعضهم جعله مركباً من ثلاثة أشياء، ولا خلاف في هذا؛ لأن الذي اقتصر على شيئين، فقال: قول وعمل، يقصد بالقول قول القلب وقول اللسان، والعمل: عمل الجوارح، وعمل القلب هو الخشية والخوف والرجاء، والإنابة وما أشبه ذلك.
ومعلوم أن الإيمان يتكون من أعمال القلب، ومن أعمال الجوارح.
وقول اللسان ظاهر، وهو النطق بالشهادتين، والذكر والتلاوة، وجميع الأعمال التي تؤدى باللسان، وكذلك عمل الجوارح ظاهر كالصلاة والحج والجهاد وإماطة الأذى عن الطريق وما أشبه ذلك من الأعمال التي يأمر الله جل وعلا بها، فهي كلها داخلة في الإيمان.
إذاً: الإيمان عند أهل السنة مركب من ثلاثة أشياء: من قول القلب وعمل الجوارح، وقول اللسان، وقول اللسان داخل في عمل الجوارح؛ لأنه جارحة.