قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العقيدة الواسطية:[وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبداً، والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم: فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة، وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخلها من الأمم أمته.
وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة كي يدخلوا الجنة.
وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله أقواماً فيدخلهم الجنة] .
هذه الأشياء التي ذكرها داخلة في الإيمان باليوم الآخر؛ لأن المقصود باليوم الآخر كل ما يحصل بعد الموت إلى أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، ولكن لما كانت بعض التفاصيل التي تكون في الآخرة أنكرها أهل البدع مثل الحوض والشفاعة وما أشبه ذلك، فنص العلماء عليها رداً لهذه البدعة ولهذه الضلالة، وذلك أن ما ذكره الله جل وعلا أو ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم بالاسم والتعيين فإنه يتعين الإيمان به، وإلا فسيكون الإنسان ناقص الإيمان إن لم يكن الإيمان زائلاً؛ لأن ربنا جل وعلا أخبرنا أن الإيمان لا يقبل التجزئة، فإما أن يؤخذ كله أو يرد كله، والذي رد البعض فهو كالذي رد الكل.