وقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:١] تبارك: فعل ماض، لا يأتي منه المضارع، وهو مختص بالله جل وعلا، ولا يجوز أن يقال للمخلوق: تبارك بكذا وبكذا، كما يصدر من بعض العوام: تباركوا بالنواصي والأماكن! فهذا لا يجوز، وهو نوع من الشرك.
والتبارك مأخوذ من البركة، والبركة تدل على النماء والزيادة، فمعنى ذلك أن كمالاته جل وعلا بأفعاله ومشيئته تزداد، فيستحق بها حمداً على حمد، وليس معنى ذلك أنه قبل زيادتها ووجودها كان ناقصاً تعالى وتقدس؛ لأن الكمال أن يأتي الشيء الذي فيه الكمال متعلقاً بمشيئته، كقوله جل وعلا:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:١٦] ، ففعله كله كمال، وهو لا يفعل إلا إذا أراد، وهو جل وعلا لم يمتنع من الفعل في وقت من الأوقات، لا في الأزل ولا في المستقبل؛ لأن له الكمال المطلق.
وكذلك يدل قوله:(تبارك) على الإحسان والكرم الذي يصدر منه بأفعاله، ويدل على أن أسماءه وصفاته مباركة، وبها تنال البركة لمن ذكرها أو عبد ربه بها.
وقوله:((الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ)) .
الذي: نعت لله جل وعلا.
ونزَّل: بصيغة المبالغة يدل على أن النزول يكون وقتاً بعد وقت، وليس جملة واحدةً.
والفرقان: هو كلامه الذي يفرق بين الحق والباطل، والضلال والهدى، والغي والرشد، والفرقان هو القرآن، فهو الذي به الاهتداء وبه التفرقة بين الحق والباطل.
وهذا يدلنا على أن من وصل إليه القرآن فقد قامت عليه الحجة؛ لأنه وصله الفرقان، ولا يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن وهو لا يفهم منه شيء، فيجب أن يستشعر أن ربه يخاطبه به، فيتفهمه ويتدبره، وهو بلسان عربي مبين، فمن كان يعرف العربية فلابد أن يعرف المعنى الذي يخاطب به، ولا يلزم أن يعرف المعاني كلها، بل يكفي أن يعرف المدلول العام الذي يظهر من الخطاب، أما المعاني التي يشتمل عليها فذلك بعيد، بل كثير من العلماء لا يدرك كثيراً منه، فمعاني خطاب الله جل وعلا لا تنتهي، والعلم يتفاوت عند الناس بتفاوت فهومهم في كلام الله جل وعلا.