وينبغي للإنسان أن يستحضر مع هذا ما ذكره الشيخ بعد ذلك من الأمور العظيمة التي لا يحيط بها عقل الإنسان، الدالة على عظمة الله جل وعلا كقوله:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] وقوله: (يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا) ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[الحج:٦٥] ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ}[الروم:٢٥] فهذه تدل على عظمته وأنه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وأنه تعالى ليس بحاجة لا إلى عرش ولا إلى غيره وإنما العرش والسماء والكرسي وكل شيء محتاج إليه، وهذا استدلال بعظمته على كمال قدرته تعالى وتقدس.
وقوله:(ولكن يصان عن الظنون الكاذبة) يعني: أن هذا الكلام ظاهر، ولكن لو قدر أن إنساناً لا يفهمه على حقيقته وعلى مراد المتكلم منه فإنه يجب أن يفهم ويعلم المراد، (والظنون الكاذبة) مثل أن يظن ظان أنه إذا قال جل وعلا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] أنه محتاج إلى العرش تعالى وتقدس، أو أن استواءه على العرش كاستواء المخلوق على ما يركب عليه ويستوي عليه فهذا لا يجوز أن يعتقد.
وكذلك إذا قال:{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:١٦] فيظن أن السماء تكون ظرفاً له أو أنها تقله تعالى وتقدس.
وكذلك إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر) فالظنون السيئة: أن يظن بأنه إذا نزل إلى السماء الدنيا أن شيئاً من المخلوقات يكون فوقه؛ تعالى الله وتقدس فهو أكبر من المخلوقات كلها وأعظم منها ولا يمكن أن يكون شيء فوقه؛ لأن العلو من لوازم الذات، أي: أن علوه على كل شيء لا ينفك عنه أبداً فهو عال فوق جميع خلقه وإن نزل إلى سماء الدنيا، بل وإن نزل إلى الأرض كما يأتي يوم القيامة جل وعلا للفصل بين خلقه يأتي وهو فوق كل شيء، ولو شاء لقبض المخلوقات كلها في سماواته وأرضه ومن فيها بيده جل وعلا فصارت بالنسبة إليه كخردلة صغيرة حقيرة ليست بشيء.
فإذا كان هذا شيء من بعض عظمته جل وعلا فكيف يظن أنه يكون داخل مخلوقات؟ تعالى الله وتقدس.
قوله:(أن يظن جاهل أو ضال) أن يظن جاهل في ذلك أو ضال ضل في دينه وفي عقله.