للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفريق بين الإسلام والإيمان عند أهل السنة]

وإذا انفرد أحد الاسمين -الإسلام والإيمان- دخل فيه الآخر، أما إذا اجتمعا فإن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، وقد جاء أن أركان الإيمان ستة: (الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره) ومن أخل بركن منها، فإن إيمانه مختل، ولكنه لا يخرج بذلك من دائرة الإيمان إلا أن يكون أخل بالإيمان بالله، فإنه لا يكون مؤمناً، وكل الأركان تتبع ذلك.

أما إذا اختل شيء من هذه الأركان، بأن صار إيمانه بالملائكة مدخولاً، ولا يؤمن بها على الوصف الذي وصف الله جل وعلا، أو كان الإيمان بالرسل عنده ناقصاً، والإيمان باليوم الآخر مجملاً فقط، وكذلك الإيمان بالقدر، فإنه لا يكون مؤمناً كاملاً وإنما يكون عاصياً بقدر ما ترك، مع أن التفصيل في هذا واضح وجلي، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بينا ذلك.

أما الإسلام فهو الذي ينتقل به الكافر من دينه إليه، وهو الشهادة: بـ (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ، فهو مجرد قول، فإذا قال الإنسان: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) حكم بأنه مسلم، ولكن لا بد أن يكون عنده إيمان بالله، وأن الله أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا إله إلا الله، وأنه هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد وحده ولا يعبد معه إله غيره.

يعني: أنه تضمن إيماناً ولا بد، أما أن يوجد إسلام بلا إيمان فهذا لا وجود له.

أما الجواب على نفي الإيمان عن بعض الناس، كما ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان يقسم مالاً، وسعد بن أبي وقاص حاضر، فأعطى رجلاً وترك آخر، فقال له سعد: يا رسول الله: مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمناً؟ فقال: أو مسلم؟ ثم أعطى غيره، يقول: فغلبني ما أعرف منه، فقلت: يا رسول الله! مالك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمناً؟ فقال: أو مسلم؟) ، ثلاث مرات يقول: أراه مؤمناً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: أو مسلم؟ وهذا في ضمنه الإنكار على سعد أن يقول: إنه مؤمن، وإنما أمره أن يقول: مسلم.

إذاً: الإيمان أخص من الإسلام.

بعد ذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عندما يعطي إنساناً ويترك غيره الذي هو أحب إليه منه إنما يكله إلى ما عنده من الدين، وإنما يعطي ضعاف الدين والإيمان.

وهذا معناه: أنه أنكر عليه إطلاق الإيمان عليه جزماً، وأمره أن يقول بالشيء الذي يكون متيقناً وهو الإسلام.

وكذلك قول الله جل وعلا: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] يعني: أن الإيمان ما دخل في قلوبكم بعد، ولكن معكم شيء من الإيمان؛ لأنهم ليسوا منافقين، وإنما معهم شيء من الإيمان يصح به إسلامهم، وهو تصديق بالله جل وعلا وبرسوله، وأنه هو المعبود وحده.

قوله: (ولا يخلدونه في النار) يعني: الفاسق الملي لا يخلدونه في النار لمجرد المعاصي، أو بمجرد الفسوق، وإنما يقولون: يجوز أن يدخل النار ولكنه يخرج منها ومآله إلى الجنة ما دام أنه مات مسلماً، فمعه أصل الإيمان، فلابد أن يكون مآله إلى الجنة وإن عذب في النار، ويوكلون ذلك إلى الله، إن شاء عفا عنه بلا عذاب، وإن شاء عذبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>