[الدعوة إلى مكارم الأخلاق]
قوله: (ويدعون إلى مكارم الأخلاق) .
مكارم الأخلاق في العمل وفي السلوك، وفي البذل والعطاء، فيدعون إلى مكارم الأخلاق التي يكون فاعلها متكرماً ومترفعاً، ويكون متميزاً على من أكرمه بذلك الخلق أو بهذا العطاء أو بهذا العمل، فسمي كريماً؛ لأنه بذل وأعطى وتميز بذلك، فهم يدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، سواء بالقول أو العمل أو البذل والعطاء.
قوله: (ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) لأن الخلق الحسن يستطيع به الإنسان أن يتحمل ما يتطرق إليه من أذى أو ظلم، وكذلك يستطيع به أن يبذل ما يملكه من نفع معنوي أو مادي.
وقوله: (ويندبون إلى أن تصل من قطعك) مثل ذوي الأرحام إذا قطعوك، فأهل السنة يندبون ويحثون ويأمرون بأن تصلهم، وأن تعاملهم بنقيض ما عاملوك به؛ لأن الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بالأمر بوصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك.
وقوله: (وتعطي من حرمك) ، يعني: ممن لك حق عليه، إذا حرمك حقاً هو لك، فيأمرونك أن تعامله بنقيض ذلك وأن تعطيه.
وقوله: (وتعفو عمن ظلمك) .
لأن العفو ندب الله جل وعلا إليه في كتابه، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ندب إليه، يقول الله جل وعلا: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤] ، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى:٤٣] ، فالذي يصبر ويغفر -يعني: يعفو- هو الذي يكون له مقام رفيع عند الله جل وعلا.
وقوله: (ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام) ، هذه كلها أمور واجبة وأصول عملية، فبر الوالدين قرنه الله جل وعلا بحقه، فأمر أن يحسن إليهم إحساناً عاماً مطلقاً.
وقوله: (وحسن الجوار) كذلك أن تحسن إلى جارك وإن أساء إليك، فإن أهل السنة يأمرون بذلك؛ لأن هذا من طريقتهم.
وبهذه الأمور التي هي: صلة القاطع، وإعطاء المانع، والعفو عن الظالم، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار تقل المفاسد والمعاصي، أو تنعدم إذا امتثل بذلك.
قوله: (والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل) لأن هذه مما نص الله جل وعلا عليها، بأن يفعلوها ويلتزموا بها، وهذا تفسير لما سبق أنهم يتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (والرفق بالمملوك) الذي يملكه الإنسان من عاقل أو بهيمة، فيأمرون بالرفق بالمملوك ولو كان بهيمة يريد أن يذبحها ويأكل لحمها فإنه يؤمر بالرفق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذي يريد أن يذبح أن يحد شفرته وأن يريح ذبيحته، ولا يريها الشفرة، ولا يسيء إليها بجرها وضربها، فإن هذا ليس من طريقة أهل السنة والجماعة، بل هو من طريقة أهل المعاصي وأهل السلوك الغير محمود.
وقوله: (وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي) ؛ أما الفخر: فهو التعالي والتكبر بما يكون للإنسان من صفة أو ما يكتسبه من معنى.
أما الخيلاء: فهو التعاظم في النفس وكذلك الإباء عن بذل الحق، واللجوء إلى ما تزينه النفس والشيطان.
أما البغي: فهو الظلم والعدوان بأن يعتدي على من ليس له عليه يد؛ لأن هذا من الظلم الذي يؤمر بالابتعاد عنه.
قوله: (الاستطالة على الخلق) باللسان أو باليد أو بغير ذلك، والاستطالة تكون غالباً بالكلام في الأعراض، من الغيبة التي جاء النهي عنها.
وقوله: (الاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق) ، الاستطالة هي أن يتعدى الحق، فإذا تعدى الحق الذي يجب أن يسلكه فقد استطال؛ ولهذا قال: (بحق أو بغير حق) ؛ لأن الاستطالة لا تكون إلا بغير حق، والمقصود أنه لو كان هذا الذي استطيل عليه ظالماً فلا ينبغي أن يقابل بالظلم.
وقوله: (ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفاسفها) معاليها أي: محاسنها ومكارمها، أما سفاسفها فهي الأخلاق التي تكون سافلة، وهي أخلاق أهل السفول وأهل السقوط، فأهل السنة ينهون عنها، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بَعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.