للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى العرش والكرسي]

العرش في لغة العرب التي جاء بها القرآن هو: سرير الملك الذي يجلس عليه، كما قال الله جل وعلا عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:٢٣] ، يعني: سريرها الذي كانت تجلس عليه، وقد تأول أهل البدع العرش بأنه الملك، وهذا تأويل باطل، ويكفي في بطلانه قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧] ، فهل يسوغ أو يجوز أن يقال: ويحمل ملك ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية؟ هذا باطل قطعاً، ثم إن الأخبار التي جاءت في صفة العرش كثيرة، وأنه يضاف إلى الله جل وعلا، كما قال: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:١٢٩] ، {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:١١٦] ، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:١٥] وهذه الأوصاف تدل على الحسن والسعة والعظمة والعلو.

وجاءت الأدلة بأن له قوائم، وأنه يحمل، وأنه يطاف حوله ملائكة الله الذين خلقهم واستعبدهم للطواف حوله: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر:٧٥] ، وكذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنه بأخبار لا يجوز أن تؤول؛ لأنها نصوص قاطعة بذلك، فكل هذا يبطل هذا القول الفاسد، فالعرش خلق خلقه الله جل وعلا، وهو جل وعلا يخاطبنا بما نعرف.

أما الكرسي فالقول الصحيح عند السلف أنه غير العرش، وهو تحت العرش، ولهذا جاء عن الصحابة وغيرهم من السلف: أن الكرسي كالمرقاة التي تكون تحت العرش الذي يجلس عليه، وقد قال الله جل وعلا: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥] ، وجاء في الأثر: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في أرض من الفلاة) ، فأكبر المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأرفعها هو عرش الرحمن، وليس العرش -كما يقول أهل الهيئة- مستديراً كروياً، بل الأحاديث تدل على أن له قوائم وأنه غير كروي، والعرش ليس فوقه مخلوق، وإنما فوقه رب العالمين جل وعلا.

هذا الذي يعتقده أهل السنة على حسب النصوص التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد فسروا الاستواء بتفسير واضح جلي فقالوا: إن تفسيره هو قراءته لظهوره ووضوحه؛ ولهذا لما قيل للإمام مالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ أطرق الإمام مالك، وصار يتصبب عرقاً لقبح السؤال؛ ولأن فيه رائحة إنكار صفة من صفات الله جل وعلا، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا رجل سوء، ثم أمر به فأخرج من حلقته.

هكذا كانوا يصنعون بأهل البدع، يبعدونهم عنهم.

فقوله: الاستواء معلوم، يعني: معلوم المعنى، وليس كما يقول أهل البدع المتأخرون: معلوم الورود، فالورود في الكتاب والسنة معلوم أنه وارد، وهذا لا أحد يسأل عنه، والسائل ما يشك في هذا، فهذا تحصيل حاصل بلا فائدة، وإنما مقصوده معلوم المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>