ثم مع هذا أهل السنة يرون أن الصحابة يتفاضلون، وأن بعضهم أفضل من بعض، فأهل بدر أفضل ممن لم يشهدها، وكذلك أهل بيعة الرضوان؛ لأن النصوص جاءت فيهم، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل) ، وصاحب الجمل الأحمر هو الجد بن قيس الذي اختفى عن البيعة، وكان منافقاً معروفاً، وعمر رضي الله عنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم حينما بعث حاطب بن أبي بلتعة بالكتاب إلى قريش يُعْلِمهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال له: دعني أضرب عنقه؛ فإنه منافق، فنظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:(وما يدريك؟ إنه شهد بدراً، وإن الله جل وعلا قال لأهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، وقال غلام له: إن حاطباً سيدخل النار.
قال:(كلا؛ إنه قد شهد بدراً وبايع تحت الشجرة) .
والله جل وعلا يقول:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠] إلى أن قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:١٠] ، يعني: كل الصحابة وعدهم الله جل وعلا الحسنى، والحسنى هي الجنة، ولهذا قال الإمام ابن حزم رحمه الله: هذه الآية تدل على أن الصحابة كلهم في الجنة، لأنه جل وعلا قال:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:١٠] ، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.
ومع هذه النصوص وأضعافها كثير جداً إلا أن أهل السنة لا يشهدون لمعين بأنه من أهل الجنة إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالعشرة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير بن العوام، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة.
وكذلك ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة عبد الله بن سلام، وكذلك الحسن، والحسين، وكذلك ثابت بن قيس بن شماس، وكذلك عكاشة بن محصن فإنه ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قام فقال:(يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم) ، فهذه شهادة له بأنه من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وكذلك غيرهم ممن ثبت به النص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما عدا ذلك فإن أهل السنة يرجون للمؤمنين الجنة، ويخافون على الفاسقين من المؤمنين أن يدخلوا النار، ولا يشهدون لأحد أنه من أهل الجنة، ولا بأن هذا الشخص بعينه من أهل النار، من مجرد أنه عمل معاصي أو أنه مات عليها، إلا أن يكون قد مات مشركاً أو مات كافراً، فإن من مات مشركاً أو كافراً فإنه مقطوع قطعاً لأخبار الله جل وعلا وأخبار رسوله بأنه من أهل النار.
وأهل بدر كان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر، وأما أهل الحديبية فكانوا ألفاً وأربعمائة أو ألفاً وخمسمائة؛ يزيدون عن الأربعمائة وينقصون عن الخمسمائة.
وقوله جل وعلا:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠] ، يرى أهل السنة أن الفتح هو غزوة الحديبية، وفيها نزلت سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:١] ، وهذا هو قول الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان ابن كثير يقول: إن الجمهور يرون أن الفتح هو فتح مكة، ولاشك أن فتح مكة فتح عظيم، لكن الفتح الذي ذكر في هذه الآية:{مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠] هو غزوة الحديبية وليس فتح مكة، وهذا أمر ظاهر وواضح من الأدلة.