[فضل أهل بدر وعدد الصحابة]
وقوله: (ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-:) هذا كما جاء في الحديث الذي في الصحيح أنهم كانوا على عدد أصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر، فهؤلاء هم الذين لم يشربوا من النهر، ولم يعبر معه إلا مؤمن.
أما عدد الصحابة كلهم فقد اختلف فيه؛ فمنهم من قال: هم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
ومنهم من قال: أكثر من ذلك، والذي وصل إلينا من أسمائهم قليل جداً؛ لأن الأسماء التي وصلت إلينا من أسماء الصحابة هم الذين لهم رواية، أو لهم ذكر في رواية، وأكثرهم ليس له رواية، ومن أجمع الكتب التي جمعت أسماءهم (الإصابة) لـ ابن حجر، وقد أكثر فيها، حتى إنه جعل لهم عدة طبقات: منها الطبقة التي قيل إنهم صحابة ولم يثبت ذلك، ورقمت أسماؤهم فلم يتجاوزوا اثني عشر ألفاً، فهذا العدد قليل جداً، وقد قال أبو زرعة: إن الذين حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه حجة الوداع أكثر من مائة ألف، ومعروف أن هناك أيضاً غيرهم من الصحابة.
وتعريف الصحابي هو: من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.
وهناك من يزيدون في التعريف ويقولون: وإن تخلل ذلك ردة، يعني: لو قدر ذلك ثم رجع فالمهم أنه يموت مؤمناً، أما البخاري فهو يقول في صحيحه: الصحابي من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.
احترازاً من أن الذي لو قدر أنه ارتد فإنه لا يكون منهم، وما عُرف أن أحداً من الصحابة ارتد ما عدا عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه ذكر أنه ارتد ثم رجع، والآخر الذي كان يكتب الوحي فارتد فمات فلفظته الأرض ثم دفن فلفظته الأرض.
وهناك من ذكر في خبر آخر في قصة، لكن فيها كلام لا تثبت.
قوله: (يؤمنون بأن الله جل وعلا قال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وهذا ليس من القرآن، ولكن هذا حديث قدسي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وهي في الصحيحين، فإنه كتب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا ربه جل وعلا أن يعمي على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلدهم، فلما جيء بالكتاب وقرئ دعا حاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ما هذا يا حاطب؟ قال: يا رسول الله! لا تعجل فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) .
هذا في رواية البخاري، وجاء في رواية غيره: أن الله اطلع، ليس فيها (لعل) ، والعلماء يقولون: الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع وليس لكونه يظن أو يرجى أنه يقع ويجوز ألا يقع.
والحديث القدسي القول الصحيح فيه: أنه قول الله لفظاً ومعنى، فهو يضاف إلى الله لفظاً ومعنى، ولكن ليس فيه تحد، وليس فيه تعبد بتلاوته، ولا تصح الصلاة به، إلى غير ذلك من الفروق، هذا هو القول الصحيح في تعريف الحديث القدسي، ومعنى قوله: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، أي: أنه إذا وقع منهم أعمال ومخالفات فإنها مغفورة بسبب شهودهم بدراً، وهذا هو الذي دل عليه قوله: (وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟) .