[المرتبة الأولى من مراتب الدرجة الأولى من درجات القدر: العلم]
ثم قال:(الدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم) .
القديم هنا المراد به: الأزلي الذي لم يسبق بعدم، يعني: ليس له مبدأ، فعلم الله صفة من صفاته، والله هو الأول بلا بداية وكذلك صفاته؛ لأن الله بعلمه وبسمعه وببصره وبسائر صفاته: أول بلا بداية، ليس له مبدأ وهذا معنى الأزل، وعلم الله علم بالأشياء على الدقة وعلى الإحصاء لكل شيء، فلا يقع شيء ولا وقع شيء إلا وقد علمه الله جل وعلا بعلمه القديم الأزلي قبل وجوده، هذا شيء يجب اعتقاده ومن لم يعتقد هذا ولم يؤمن به فإنه ليس بمؤمن، ولهذا اتفق العلماء على أن من أنكر علم الله الأزلي أنه كافر، كما قال الشافعي وغيره لمن أنكر القدر: ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا، وهذا معناه: أنه يسأل: هل علم الله جل وعلا هذه الأشياء في علمه الأزلي قبل وجودها؟ فإن أقر أنه علمها خصم، يعني: يلزمه الإقرار بالقدر، وإن أنكر ذلك كان كافراً.
هذه الدرجة الأولى وهي: الإيمان بعلم الله الذي ليس له مبدأ، وعلم الله لا يخرج منه شيء فهو عليم بكل شيء، وهذا على العموم، فهو سبحانه يعلم ما سيقع، وأنه سيقع على الصفة التي وقع عليها، وفي الزمن والوقت المحدد الذي وقع فيه لا يتعداه ولا يزيد ولا ينقص عن علم الله جل وعلا، فعلم الله لا يتغير، وسيأتي الكلام على ما يستشكله بعض الناس في بعض النصوص في ذلك، فالعموم في هذا على إطلاقه يعني: أن الله: {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:٢٩] ولا يخرج من علمه شيء، أي: الأشياء الممكنة الواقعة، والأشياء الممكنة غير الواقعة، أما الشيء المستحيل الممتنع فهذا يعلم الله جل وعلا أنه لا يقع؛ لأنه ممتنع، فعلمه لا يخرج عنه شيء، وهذا مثل: كون الشيء موجوداً معدوماً في آن واحد، فهذا لا يسمى شيئاً؛ لأنه مستحيل غير ممكن، وأما الشيء الذي يطلق عليه أنه ليس في الوجود وإن علم أنه يوجد، فهذا يكون ليس شيئاً في ذلك الوجود في ذلك الوقت وجوداً وعيناً، ولكنه شيء في علم الله، علم الله أنه سيكون شيئاً كما قال الله جل وعلا:{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً}[مريم:٩] ، {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}[الإنسان:١] يعني: ليس شيئاً مشاهداً ولا موجوداً، ولكنه شيء مكتوب في علم الله، أي: علمه الله، أما الشيء المستحيل الممتنع فإنه لا يدخل في هذا ولا يكون شيئاً ومع ذلك يعلم الله جل وعلا أنه ليس بشيء، ولهذا لما ادعى الكفار أن لهم آلهة تشفع لهم عند الله قال جل وعلا:{أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}[يونس:١٨] يعني: أن هذا لا يقع ولا يمكن أن يقع فالله يعلم أنه لا يقع، فإذا كان لا يقع فهو ليس بشيء وإنما هو زعم ودعوى فقط.
والشيء الذي يمكن وهو لم يقع يعلم الله جل وعلا أنه لو وقع سيكون على كذا وكذا، كما قال جل وعلا:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام:٢٨] أخبرنا ربنا جل وعلا أن أهل النار لا يردون إلى الدنيا فهذا لا يقع، ومع ذلك أخبر أنه لو قدر أن هذا يحصل ويوجد فإنهم سيعودون إلى أفعالهم وكفرهم وفجورهم، فعلم الله عام وشامل لا يخرج عنه شيء، ويجب أن يكون على عمومه وشموله.