ثم قال:(ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر) .
الفتنة هي السؤال، وفتنة القبر سؤاله.
والمسائل التي جاء أن الميت يُسأل بها هي ثلاث مسائل، فيقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ أو: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ واللذان يسألانه هما منكر ونكير، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن اسميهما كذلك؛ لما جاء في الأحاديث من ذلك، وجاء أنهم يأتيان بمنظر منكر مهول، وبأصوات مزعجة كالرعد القاصف أو كالصواعق، ومعهما مطرقة من حديد إذا ضُرب بها التهبت ناراً، فإذا رأى الإنسان هذا المنظر وسمع هذا الصوت فزع، فإن لم يثبته الله جل وعلا عجز عن أن يجيب، ولكن:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}[إبراهيم:٢٧] في هذه الفتنة.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلمنا السورة من القرآن أن نقول بعد الفراغ من الصلاة وقبل السلام:(اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
وجاء أنه قال:(أوحي ألي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال) وقد اختلف العلماء في سؤال القبر هل هو خاص بهذه الأمة أو أنه عام.
والصواب أنه عام للأمم كلها، فكل ميت يسأل.
والميت الذي يسأل هو الميت المكلف دون الأطفال الذين لم يكلفوا.
فالميت إن كان موقناً مؤمناً فإنه لا يتلعثم في الجواب، إلا من كان عنده بدع أو أمور يصر عليها من المعاصي التي لا تعلم، فهذا على خطر عظيم.
أما إن كان من أهل الشك والريب في اليوم الآخر فذلك هو المرتاب، وهو الذي يقول في
الجواب
هاه هاه.
لا أدري فيكون جوابه مطابقاً لحاله في الدنيا.
فهذه هي فتنة المسألة، وهي أول ما يقع للإنسان في قبره بعد دفنه، كما في الصحيحين أنه:(إذا دفن وولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيجلسانه، فيسألانه يقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فإن كان مؤمناً قال: ربي الله) الحديث، والمقصود بقولهما:(من ربك) ، أي: الذي رباك وأوجب عليك عبادته.
أي: من الذي كنت تعبده؟ لأن الرب يأتي بمعنى المعبود.