هذا الفصل فيه ذكر الكرامات، وأن أهل السنة يؤمنون بكرامات الأولياء، وقد انتهت العقيدة، والذي ذكره المصنف هنا هو من المكملات لعقيدة أهل السنة والجماعة، وذكر بعض الأصول التي لم يخالف فيها إلا من لا ينظر إلى خلافه ولا يعتد به، وإنما أراد رحمه الله أن يبين عموم الإسلام الذي يجب أن يكون الإنسان متمسكاً به.
ووجه ذكر الكرامات في العقائد، أن بعض أهل البدع أنكرها، وإلا فليست من الأصول التي تكون في عقيدة المؤمن؛ ولكنها من الفروع.
وإذا أنكر أهل البدع شيئاً ثابتاً، فإن من طريقة أهل السنة إثباته في كتب العقائد؛ ليكون ذلك تمييزاً لأهل الحق، وأنهم يثبتونه ولا ينفونه كما ينفيه أهل البدع؛ ولهذا يذكرون في كتب العقائد المسح على الخفين؛ لأن بعض أهل البدع ينكرون المسح على الخفين، ويمسحون على القدمين.
وقد أنكر المعتزلة وبعض الأشاعرة ومن سلك طريقهم وجود الكرامات في أولياء الله جل وعلا، وحجتهم أنها تلتبس بمعجزات الأنبياء، فزعموا أنهم لو أثبتوا كرامات الأولياء، فإنه يلزم أن تكون آيات الأنبياء غير متميزة وغير خاصة، وآيات الأنبياء هي التي تسمى المعجزات.
والواقع أن هذا إنكار لما هو موجود ومشاهد بين الناس، ولما هو معلوم بالكتاب والسنة، والتعليل بأن كرامات الأولياء تلتبس بآيات الأنبياء لا وجه له، بل هو باطل، وذلك لأن الولي لا يمكن أن يكذب فيدعي النبوة، فدعوى النبوة كفر بالله جل وعلا، ومن ادعى النبوة فهو كافر، فكيف يمكن أن تجتمع ولاية وكفر؟ هذا لا يمكن، بل مستحيل، وهذه الدعوى باطلة، وليس دليل الولاية خرق العادة التي يعتادها الناس، كأن يدخل إنسان في النار فلا تضره، أو يضرب بسلاح فلا يضره، أو ما أشبه ذلك، فهذا ليس دليلاً على أنه ولي، وليس دليلاً على أن هذه كرامة، فإنه يجب أن يميز بين ما هو كرامة وبين ما هو من أعمال الشيطان من الحيل التي يتحيل بها بعض الناس الذين يريدون أن يلبسوا على الناس بأنهم من أولياء الله، وهم من أولياء الشيطان، وليسوا من أولياء الله جل وعلا، وهذا معروف لمن كان عنده فقه في الدين، ومعرفة بما جاء به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فالولي هو الذي يحصل له أمر خارق للعادة ويكون متبعاً للسنة، وإذا حصل لشخص أمر خارق للعادة وهو مجانب للسنة، فإنه من عمل الشيطان أو من الحيل، فلا يلتبس هذا بهذا.
فكيف تلتبس كرامات الأولياء بآيات الرسل، فلا يحصل التمييز بين الولي والنبي؟ هذا من أكبر الخطأ وأعظمه، ولا يحتاج إلى الرد عليه لظهور بطلانه.