للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تدرج منكري القدر في إنكارهم له وتفاوت الحكم عليهم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية، الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها] .

عرفنا أن القدر على درجتين، وكل درجة -كما قال الشيخ رحمه الله- تتضمن شيئين، والدرجة الأولى: علم الله جل وعلا، وأنه عليم بكل شيء.

والثانية: كتابته لعلمه المتعلق بالمخلوقات، وسبق أن قلنا: إن منكر هذه الدرجة كافر، وأنه كان هناك من ينكر أن يكون الله جل وعلا عليماً بكل شيء، وأنه كتب كل شيء؛ لأنهم يقولون: إن الله يعلم الأشياء إذا وجدت، ولا يعلمها سابقاً، ويقول الشيخ: منكر ذلك اليوم قليل.

يعني: أنه يوجد أناس من هذا النوع، وهؤلاء لا شك في كفرهم، وهم ينكرون العلم والكتابة، وقد جاءت النصوص في كتاب الله جل وعلا بإثبات أن الله كتب كل شيء، وكذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

الدرجة الثانية: وهي تتضمن شيئين: وهي مشيئته الشاملة، وخلقه لكل شيء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهذا في كلا الدرجتين خلاف قول أهل البدع من المعتزلة ونحوهم، فالمعتزلة لا يؤمنون بعموم المشيئة، ولا يؤمنون بعموم الخلق، ولكن هل يحكم بأن هؤلاء كفار لأجل ذلك؟ لا شك أن النصوص ظاهرة وجلية في أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته، وكذلك كونه الخالق وحده وما سواه مخلوق، وإنما وقعوا في شبه من باب القياس والمرض الذي في قلوبهم، فقالوا: إن الله لا يشاء الشرور، ولا يشاء الكفر، ولا يشاء المعاصي، وزعموا أن هذا من باب التنزيه، فالسبب الذي منع من تكفيرهم أنهم قصدوا -بزعمهم- أن ينزهوا الله جل وعلا، وإن كانوا لم يفهموا ذلك، إلا أن يكون داعية إلى بدعته، وقد سبق أن قلنا: إن من أئمة هؤلاء ومؤسسي بدعتهم زنادقة، أرادوا هدم الإسلام، فمثل هؤلاء لا شك في كفرهم، أما الذين أرادوا مقاصد حسنة وإن أخطئوا فهؤلاء لا يكفرون، وهؤلاء هم الذين رد عليهم العلماء في وجوه الشبهة حيث قالوا: (إن الله لا يشاء الكفر، وإنما الكفر بمشيئة الإنسان، فالله يشاء من الإنسان أن يؤمن، ولكن يلزم على هذا أن مشيئة الكافر هي التي وقعت، ومشيئة الله لم تقع، وهذا نقص لا يجوز أن يكون) .

ومثل ذلك يقال في المعاصي، وكذلك قولهم في الخلق، وأن الإنسان يخلق أفعاله، وأنها لم تدخل في عموم خلق الله، وهذا أيضاً ضلال؛ لأن الله أخبرنا أنه خالق كل شيء، وأنه خلق الإنسان وخلق صفاته وأعماله، وسبق أن عرفنا الدليل على ثبوت ذلك بالعقل والنص.

بقي أنهم يقولون: إننا إذا قلنا: إن الله قدّر على الإنسان عمله وعذبه عليه، فإن هذا يكون داخلاً في باب الظلم، والظلم من حيث هو اختلف الناس في تفسيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>