[اختلاف الصحابة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج]
اختلف الصحابة ومن بعدهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، فجاء نفيه عن أكثر الصحابة، وجاء إثبات ذلك عن بعضهم مثل ابن عباس، والصواب أن ابن عباس جاء عنه شيء مجمل، فقد جاءت عنه روايتان: الأولى: أنه قال: رآه، يعني: رؤية مطلقة، والثانية: جاءت مقيدة فإن رآه بفؤاده، ومن المعلوم أنه إذا جاء نص فيه إطلاق وجاء نص أخر مقيد أن المطلق يحمل على المقيد.
وأما عائشة رضي الله عنها فإنها نفته نفياً باتاً بل لما قال لها السائل: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، قالت: لقد تكلمت كلمة قف منها شعري! من قال لك: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب والله جل وعلا يقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] ، ومن قال: إنه كتم شيئاً فقد كذب والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:٦٧] ، فأنكرت ذلك إنكاراً عاماً، والصواب في هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر (أنه قال: قلت: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنّى أراه؟!) وفي رواية: (رأيت نوراً) وفي رواية: (رأيت ناراً) ، وهذا نص صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره.
من الناس من إذا قيل له: إن صفات الله جل وعلا وأسماءه والتوحيد لم يقع فيه خلاف بين العلماء يعترض بمثل هذه المسألة، وهذا الاعتراض ليس في مكانه؛ لأن هذه مسألة فرعية في الصفات، ولو ثبتت لوجب القول بها، ولكنها لم تثبت فإذا لم تثبت فإنه لا يكون في ذلك خلاف، وأما الخلاف الذي وقع فقد ارتفع.