قوله:(من غير تحريف ولا تعطيل) ، سبق بيان معنى التحريف والتعطيل في أول العقيدة، وأن التحريف يدخل فيه التأويل الذي يسميه أصحابه تأويلاً ويجعلونه واجباً، كما هو معروف عند الأشاعرة وغيرهم، فإنهم يجعلونه واجباً ومتعيناً وهو في الواقع تحريف، لا يجوز سلوكه، ومن سلكه فقد وقع في الخطأ.
وأما التعطيل فهو إخلاء النص عن معناه الذي أراده المتكلم؛ لأن التعطيل مأخوذ من العطل وهو الخلو كما سبق.
وقوله:(من غير تكييف) ، التكييف هو: طلب معرفة كيفية الشيء، وأهل السنة لا يسألون عن الكيفية؛ لأن الكيفية لا مطمع فيها؛ وذلك أن الكيفية تتطلب أمرين لابد منهما: أحدهما: المشاهدة، أن ترى الموصوف وتشاهده بعينك؛ لأن الكيفية هي حكاية الشيء على ما هو عليه، فإذا رأيته تستطيع أن تصف الكيفية التي رأيت، والله لا يرى، ولا أحد يشاهده سبحانه في الدنيا.
الأمر الثاني: أن يكون له نظير نراه ونشاهده، والله جل وعلا ليس له نظير، تعالى الله وتقدس، وبذلك ينقطع الطمع في إمكان الحصول على الكيفية، فالكيفية لا مطمع فيها، والله جل وعلا لا يدرك تعالى وتقدس ولا يحاط به، وإن رُؤي في الآخرة فالرؤية تكون لوجهه جل وعلا، كما قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:١١٠] ، وليس كما يقوله أهل البدع أن نفي الإحاطة تدل على نفي الرؤية، كلا.
ولكن الإحاطة هي: أن يدرك الشيء من جميع جوانبه، والله جل وعلا أكبر وأعظم من كل شيء، فهو لا يدرك ولا يحاط به، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا بأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك، كما قال جل وعلا في قصة موسى مع فرعون لما رأوا فرعون وجنوده خلفهم والبحر أمامهم:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦١-٦٢] .