وسبق أن وصف القدر بأن فيه خيراً وشراً، وهذا بالنسبة للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فكله خير وعدل وحكمة؛ لأن الله جل وعلا يوصف بالأسماء الحسنى وفعله فعل حسن جميل عدل، وكذلك حكمه وقوله، فلا يجوز أن يضاف إليه شر، وإنما الشر يكون إما بالأثر وإما في المخلوق، وإما أن يكون شراً نسبياً، فمثلاً: الله حكم بأن السارق تقطع يده، وهذا الحكم بالنسبة لله جل وعلا خير وعدل، وهو كذلك بالنسبة للمجتمع خير وعدل وحماية وصيانة لأموالهم، ولكنه بالنسبة للسارق المعين قد يكون شراً حيث قطعت يده، ومن ناحية الألم وفقده العضو، أما من ناحية أنه كفارة لهذا الفعل الذي فعله، فيكون خيراً، فالخيرية أكثر والشر يكون جزئياً، وهكذا يقال في كل قضية من القضايا، فشر القدر أو حلوه ومره نسبي، ومعلوم أن الأعمال التي يعملها الإنسان في الدنيا من فعل الشهوات والمشتهيات أن عاقبتها تكون شراً عليه، وإن كان يجد لها لذة ساعة فعلها.
فالمقصود: أن يذكر العموم: وهو أن الله جل وعلا خلق كل شيء.
عرفنا الدرجة الأولى التي هي علم الله، وأن الله عليم بكل شيء وأنه لا يخلو من علمه شيء من الأشياء أزلاً وأبداً وهذا أمر واضح وجلي، وهذا الأمر عام مطلق يشمل الموجود والمعدوم والذي لا يوجد يعلمه لو وجد كيف يكون، كما سبق التمثيل في ذلك، وأما الكتابة فإنه كتب علمه الذي علمه في المخلوقين قبل وجودهم كما في بعض النصوص كحديث عبد الله بن عمرو الذي في صحيح مسلم:(إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) وكذلك حديث عبادة: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) ، وسبق الجمع بين هذين الحديثين وأنه ليس بينهما اختلاف، فقوله:(إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) قوله: (وكان عرشه على الماء) جملة حالية يعني: في حالة الكتابة كان عرشه موجوداً على الماء.