جعل المؤلف الكرامات على نوعين: علوم ومكاشفات، وقدرات وتأثيرات.
فالعلوم والمكاشفات هي أن يلقى في قلبه شيء من العلم إلقاءً من الله جل وعلا، أو يكشف له عن أمر خفي إما بعيد أو مستقبل، كما حدث لـ عمر رضي الله عنه فيما رواه أبو نعيم وغيره بإسناد حسن أنه أرسل جيشاً إلى نهاوند، وبينما هو يخطب في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، حصلت عليهم هزيمة من العدو، فصار ينادي أميرهم واسمه سارية: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! فسمعوا صوته في ذلك المكان البعيد، فانحازوا إلى الجبل، فنصرهم الله جل وعلا على العدو.
ومن المكاشفة أنه أخبر أنه سيولد له ولد يكون أميراً عادلاً، فولد له عمر بن عبد العزيز، وصار شبيهاً به في العدل.
وكذلك ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لابنته عائشة: إنه سيولد لكم بنت، وكانت امرأته حاملاً قبل وفاته، فولدت بنتاً كما أخبر، وغير ذلك من أنواع المكاشفات التي يجعلها الله جل وعلا فيمن يشاء من عباده.
أما القوى والتأثيرات فمثل ما ذكر الله جل وعلا عن الذي كان عنده علم من الكتاب لما قال سليمان صلى الله عليه وسلم لجلسائه: أيكم يأتيني بعرشها؟ -يعني: عرش بلقيس- وكانت في اليمن، وسليمان في فلسطين {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}[النمل:٣٨-٤٠] ، وهذا الذي عنده علم من الكتاب ليس نبياً، وقيل: إنه كان يعلم اسم الله الأعظم، فدعا الله جل وعلا باسمه الأعظم فجاء العرش من اليمن في تلك اللحظة الوجيزة.
ومن ذلك ما يكون من تكثير الطعام، فإنه نوع من القوى، وقد وقع لكثير من الصحابة، كما وقع لـ أبي بكر لما ذهب بأضيافه إلى بيته وقدم لهم طعامهم، فبقوا ينتظرونه، فلما جاء حلف ألا يأكل معهم، ثم تراجع وأكل معهم، فلما انتهوا من الأكل إذا هو أكثر مما كان، فحمله وذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه جماعات، وأما ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو كثير.
ومن ذلك الشيء الذي يكون فيه إحياء الموتى، كما وقع لـ صلة بن أشيم، فإنه كان في الأهواز ومات فرسه، وهو يقاتل في سبيل الله، فسأل ربه أن يحيي له فرسه، فأحياه وقاتل عليه، ثم لما رجع إلى بلده ووصل إلى بيته قال لابنه: يا بني! خذ سرج الفرس فإنه عارية، فأخذ سرجه فسقط ميتاً.
وكذلك وقع لـ عبد الله بن الشخير، وكان عمر بن عقبة في الأهواز أيضاً، فاستطعم ربه، فسمع وجبة خلفه، فالتفت فإذا شيء مغطى بحرير، فأخذه فإذا هو رطب وفاكهة، وليس في تلك البلاد نخل، فأكله، ثم أعطى زوجته الغطاء الذي كان مغطى به، فبقي عندها وقتاً، وكان إذا ذهب مع أصحابه يشترط عليهم رعي ركائبهم، فيأتي الأسد ويتولى رعي الركائب وهو يصلي.
ونحوه حدث لـ سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما انكسرت السفينة به وصل إلى جزيرة في البحر، ووجد أسداً، فقال للأسد: إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار الأسد يسير أمامه يدله على الطريق حتى أوصله إلى المكان الذي يهتدي إليه، ثم صار يهمهم كأنه يودعه وانصرف، وغير هذا كثير جداً.