معنى (يؤثرون) : لا يقدمون كلاماً على كلام الله، ومعنى ذلك أنهم يأخذون بكلام الله ظاهراً وباطنا، وأنهم يعلمون أن كلام الله فيه العصمة من الضلال، وأن ظاهره حق ولا يدل إلا على الحق، وأن أقواله وأخباره صدق، فيعتقدون هذا تمام الاعتقاد، ولا ينحرفون عنه قيد أنملة.
والمقصود بهذا الرد على الذين يقولون: إن النصوص من الكتاب والسنة ظواهر لا تفيد العلم اليقيني، وإنما تفيد الظن، ومسائل العقيدة لابد أن تؤخذ من اليقينيات، ويجعلون اليقين ما يسمونه بالعقليات، وهي أمور جدلية، بل شكوك لا تثبت أمام النقد وأمام المناظرة؛ ولهذا تجد أحدهم يتقلب، وكل يوم له دين، والأئمة يحذرون من ذلك، وإذا رأوا من يجادل في هذا يقولون له: نحن لسنا في شك من ديننا؛ لأن معنا الوحي الذي جاء به رسول الله، وأما أنتم أهل الشك فابحثوا عن أمور يقينية.
ولن يجدوها إلا في كتاب الله وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومراد المؤلف هو أن يبين أن الحق واليقين والهدى في ظاهر النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن من ادعى أن ألفاظ الوحي -سواء كان من كلام الله أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم- ظواهر لا تعطي اليقين وإنما تعطي الظنون، فهو ضال مخالف لطريقة أهل السنة والجماعة، فيحذر منه؛ ولهذا قال:(ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس) ، وهذا عام شامل لمسائل العقيدة، أو مسائل الفقه والفروع والعمليات، ولا فرق بين مسائل العقيدة ومسائل العمليات في الأدلة التي يثبت بها هذا أو هذا، إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله ووجب العمل به والقول بمقتضاه، سواء كان في مجال العمل أو في مجال العقيدة.
ثم هو أيضاً يرد على الذين يقولون: إن الوحي الثاني الذي هو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثبت به العقائد؛ لأنها أخبار آحاد، وإنما تثبت العقائد بالنصوص القطعية كالقرآن وكالأحاديث المتواترة، وهذا قول أهل البدع من المعتزلة ومن سلك طريقهم، وكذلك قبلهم الخوارج، فإنهم أنكروا أن تثبت الأحكام القطعية بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد عرفنا أن الخوارج ليسوا أهل علم ولا أهل جدل، وإنما هم جهال أهل سيف وانحراف؛ ولهذا صاروا يقتلون المسلمين ويتركون الكافرين.