[السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية]
قوله: (ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً) .
يعني: هذا من طريقة أهل السنة العملية التي يسلكونها، وهي خلاف طريقة أهل البدع، فأهل السنة يصلون خلف كل إمام براً كان أو فاجراً ما لم يعلم أنه كافر، فإذا علم يقيناً أنه كافر لم تجز الصلاة خلفه، ولا يجوز أن يكون إماماً للمسلمين أو أميراً على المسلمين؛ لأن هذا علق بآيات وأحاديث جعلته من المسلمين كقوله تعالى: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] .
وقوله: (ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد) ومن ذلك صلاة الجماعة، يعني: أنه إذا كان إمام الجمعة، أو أمير الحج، أو أمير الجهاد فيه معاص، وفيه ظلم، وفيه مخالفات للشرع، فإنهم لا يتركون العمل الذي هو طاعة، بل يجب أن يعملوا معه الطاعات، وأن يتلافوا ما فيه خلاف حسب الاستطاعة، ويغمر ذلك الشيء بالمصالح الشرعية التي في الاجتماع، حتى يجتنب المفاسد الكثيرة التي تكون في التفرق والاختلاف والخروج.
وقوله: (ويحافظون على الجماعات) .
يعني: يحافظون على الصلوات في الجماعة؛ لأن هذا من العمليات التي يتميز بها أهل السنة، وهذا للأحاديث الكثيرة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في إيجاب ذلك.
وقوله: (ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)) ، النصيحة مأخوذة من النصح وهو الخلوص، يقال: نصحت الثوب إذا غسلته وأزلت وسخه، وأصبح ليس فيه درن، فالنصيحة مأخوذة من هذا، فالنصيحة هي إرادة الخير للمنصوح بكل وجه، وإزالة أسباب الشر عنه.
والمسلم للمسلم عموماً يكون بهذه الصفة، ولا يجوز أن ينطوي قلبه على غش لإخوانه أو حقد أو غل كما بينت الأحاديث ذلك، وتمثيل الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين كالبنيان الذي يتماسك جميعاً، ويشد بعضه بعضاً؛ يدل على أنه لا يجوز أن يتميز واحد عن الآخر في النصح والعمل، بل يجب أن يكونوا سواء، وأن يكونوا ممتثلين لأمر الله جل وعلا، لا يخالفون ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وهذا الحديث يمثل به الرسول صلى الله عليه وسلم ما يبين حق المسلم على المسلم، وأنه يجب أن ينصح له وأن يعمل على أن ينمي له الخير ويوجده، وأن يدفع عنه الشر ويعدمه بما استطاع، وأن يكون ناصراً له على الحق معاوناً له في ذلك، وأن يكون ذاباً عنه كل ما فيه أذاه أو سبب عذابه؛ لأنه يرى أنه كنفسه، ويحب له ما يحب لنفسه، وقد جاءت النصوص الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا) ، فلابد من التحاب على الإيمان، وعلى العقيدة، وعلى الدين، لا على الدنيا، ولا على أعمال الدنيا، ولا على الأنساب، ولا على الأعراق والأعراف، بل يجب أن تكون على الدين.
وللأسف أن هذا الأمر المهم جداً يكاد يكون معدوماً عند المسلمين أو عند كثير منهم، فتجد أن المسلم يعادي أخاه، وتجد أنه لا يعطف عليه، وتجد أنه لا يهمه لو آذاه أو ظلمه، وهذا لضعف الإيمان، ولضعف الامتثال لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (يأمرون بالصبر عند البلاء) ؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا لابد أن يبتلى، إما أن يبتلى بقريبه أو بماله أو بأخيه المؤمن أو بنفسه، فلابد من الابتلاء؛ لأن هذه الدنيا ليست محل إقامة، وإنما هي فترة وجيزة قصيرة ثم ينتقل منها، فالإنسان في هذه الدنيا هدف تصيبه أغراض البلايا، فلابد أن يوطن نفسه على الصبر والاحتساب، وأهل السنة والجماعة يأمرون بالصبر عند إصابة البلاء، ويأمرون بالشكر عند النعم، والرضا بمر القضاء الذي يكون مراً على النفوس، والقضاء كله خير بالنسبة لله جل وعلا، وليس فيه شيء مر؛ لأن الله لا يفعل إلا ما هو حسن.