[الإيمان يزيد وينقص]
الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق، وهم طوائف من المرجئة؛ قالوا: إن الكفر هو التكذيب وهو شيء واحد، والإيمان هو التصديق وهو شيء واحد، فأهله فيه سواء لا يتفاوتون، فجعلوا كفر فرعون مثل كفر سائر الكفرة وأدناهم، وجعلوا آحاد الناس من المؤمنين مثل أعلاهم إيماناً، وهذا من أبطل الباطل، فهم ضُلّال في ذلك.
وفي الواقع فهذه من المسائل التي تشعبت فروعها، وكثر الخلاف فيها، فإن الحق فيها مع أهل السنة؛ لأنهم يتقيدون بنصوص الكتاب والسنة، والمبتدعة أهل قياس وشبهات وأهل هوى وضلال.
ولهذا نص أهل السنة على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولهذا قال المصنف رحمه الله: (وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) .
والطاعة عمل، والمعصية عمل، فهو يزيد بالعمل وينقص بالعمل، فإذا كان العمل طاعة زاد به، وإذا كان معصية نقص به؛ والأدلة على هذا واضحة وجلية.
وقد جاء في آيات كثيرة النص على زيادة الإيمان، كقوله جل وعلا: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١] ، وكقوله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢] إلى آخرها.
وكذلك ذكر جل وعلا أنها إذا أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} [التوبة:١٢٤] ، يقول جل وعلا: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤] ، فالزيادة فيها نصوص كثيرة، والصحابة رضوان الله عليهم فهموا هذا، ولهذا جاء أن حبيب بن عمير قال لصاحب له: (تعال نؤمن ساعة، وقال: إنا إذا ذكرنا الله زاد إيماننا، وإذا غفلنا نقص إيماننا) .
والذين قالوا هذا القول وعرفوه من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم هم يتقيدون بالحق، وهو ما أتى به النص ووافقه العقل، والوضع، وطابقه الحال، والإنسان يجد من نفسه أحياناً أن حالته أحسن من أحيان أخرى، فيزداد إيمانه، والله جل وعلا قسم أهل الإيمان إلى ثلاثة أقسام، فجعل بعضهم سابقين، وبعضهم مقتصدين، وبعضهم ظالمين، فقال جل وعلا: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:٣٢] ، وهؤلاء هم أهل الجنة.
فجعل قسماً منهم ظالماً لنفسه، وفُسر الظالم بأنه الذي يرتكب بعض المناهي ويترك بعض الواجبات.
والمقتصد: بأنه الذي يأتي بما وجب عليه، ويترك ما حرم عليه، ويفعل المباح ويتناول المكروه.
وفسر السابقون بالخيرات: بأنهم الذين يتقربون إلى الله جل وعلا بالنوافل بعد أداء الفرائض، ويتقربون إليه باجتناب المكروهات بعد اجتناب المحرمات، وهؤلاء هم الذين يكونون في أعلى الدرجات في الجنة، وعلى هذا الأساس تفاوتت درجاتهم في الجنة، ولو كانوا فيه سواء -حسب زعمهم- لكانت درجاتهم سواء وكانت الدرجة واحدة.