والقنوط ما له موجب، وهذا حالة تعترض للناس عندما يتأخر المطر وهم محتاجون إليه؛ لأن حياتهم تتعلق به فيقنطون، والقنوط: استبعاد الشيء، وقد يكون اليأس منه، وقد اختلف العلماء أيهما أشد القنوط أم اليأس؟ وقد جاء ما يدل على أن كل واحد منهما ضلال وكفر، فمن أعظم الذنوب أن الإنسان يقنط من رحمة الله، ولكن في هذه الحالة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن الله ينظر إليكم أزلين قنطين؛ فيظل يضحك) ، فهو مثل قوله:(عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره) ، يعني: قرب تغييره للحال من حالة الشدة إلى حالة الخير والانفراج، بإنزال الرحمة، وهذا مدعاة للعجب؛ لأن الله جل وعلا هو رب الخلق، والرب من مقتضى ربوبيته أن يرزقهم ويعطيهم ما به قوام حياتهم، ولا يمنع خيره جل وعلا، فهو عجيب في الواقع، وقد أخبر الله جل وعلا أن مع العسر يسراً، ولكن ليس هذا فقط، بل ذلك لأنه الرب، والرب معناه: المربي لخلقه، القائم عليهم بما يصلحهم، وإن كان يملكهم ويتصرف فيهم فلابد أن يقوم عليهم بما يصلحهم، فإذاً: لابد أنه جل وعلا يغيثهم ويعطيهم ما فيه صلاحهم، ولكنه جل وعلا خبير بعباده، وقد أخبر أنه لو أعطاهم على حسب ما يريدون لتغيرت حالهم، ولكنه ينزل بقدر ما يشاء، وهو بعباده خبير بصير جل وعلا، وقد قرأ ابن مسعود:{بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ}[الصافات:١٢] ، بضم التاء، ويكون الضمير لله، ويكون هذا أيضاً موافقاً لهذا الحديث من كلام الله جل وعلا، يعني: عجبت من رد الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ظهور آياته ووضوح صدقه، كيف يسخرون منه؟! وكيف يردون دعوته؟! فإنه عجب مع أنهم عندهم عقول وأفكار، وهم لا يمترون بذلك، ولكن التقليد والشقاوة واتباع الهوى يدعوهم إلى المخالفة والتكذيب، فعلى هذا يكون العجب صفة فعل يجب أن تثبت كما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله:(إنه حديث حسن) ، يعني: أن الحديث إذا كان حسناً فهو من أقسام الصحيح، فيجب أن تثبت به العقائد، خلاف ما يقوله أهل البدع من التفرقة بين الفروع والأصول، ويقولون: الفروع تثبت بأخبار الآحاد، أما الأصول فلابد أن تكون بخبر متواتر، ولا تثبت بخبر الآحاد، وهذا شيء اخترعوه من عندهم، وهو مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدعوته وإبلاغه، والأمر في هذا واضح وظاهر، ولم يزل العلماء يردون عليهم في ذلك ويستدلون بالأدلة الكثيرة.
والحديث الحسن من أقسام الصحيح التي تثبت به العقائد، وإن كان حديثاً فرداً، كما تثبت به الأحكام، ولا فرق بين العقائد والأحكام في ذلك، فإذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث وجب قبوله، ووجب العمل بمقتضاه.