وأما قوله:(وإليه يعود) فيحتمل أمرين: الأول: أنه يعود إليه في آخر الزمان، كما جاءت الآثار في ذلك بأنه يرفع من الأرض فلا يبقى في الأرض منه حرف واحد، وهذا من علامات قيام الساعة الكبار؛ وذلك إذا ترك العمل به وعطل، واعتاظ الناس عنه بالقوانين الوضعية والآراء الفاسدة، فإنه يسرى عليه في ليلة واحدة فيسحب من المصاحف، فتبقى بيضاء ليس فيها شيء، وليس فيها حرف واحد، ويسحب من صدور الرجال الذين يحفظونه، فيصبح أهل الأرض لا يعرفون حرفاً واحداً من القرآن، وهذا إيذان بهلاك الناس؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم:(لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق) وفي رواية: (حتى لا يقال في الأرض الله الله) يعني: أنهم لا يعبدون الله ولا يذكرونه.
المعنى الثاني: أنه إليه يعود صفة، فخرج منه قولاً وإليه يعود صفةً يعني: يوصف به فهو من صفاته، وكلا المعنيين صحيح، وسواءً قلنا هذا أو هذا فكليهما صحيح.
قوله:(وأن الله تكلم به حقيقة) يعني: على ظاهر ما يعرف من لغة العرب، ومعلوم الكلام لا يعقل إلا إذا كان كلاماً يتكلم به وينطق ويسمع، وقد تكاثرت النصوص على هذا حتى جاء النداء فيخبر الله جل وعلا أنه نادى الأبوين آدم وزوجه لما عصيا واقترفا المعصية:{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف:٢٢] وبإجماع أهل اللغة بل أهل اللغات: أن النداء لا بد أن يكون بحروف وصوت يسمع؛ لأن النداء لمن بعد -كما سبق- بخلاف المناجاة فإنها لمن قرب، وجاء في القرآن ذكر النداء وأن الله ينادي، في أحدى عشر موضعاً، في سورة القصص أربعة مواضع منها.