للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطأ استدلال منكري الرؤية بآية (لن تراني) وآية نفي الإدراك]

وما ذكره أهل البدع من قول الله جل وعلا: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] ، وأن هذا دليل على أن الله لا يرى، وكذلك قوله: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣] ، وزعموا أن النفي في هذا مؤبد فيشمل يوم القيامة فذلك كذب على اللغة، وقد نص ابن مالك في الألفية على ذلك، فقال: ومن رأى النفي بلن مؤبداً فقوله اردد وسواه فاعضدا بل الآيتان تدلان على عكس ما استدلوا به، فالإدراك في قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] هو الإحاطة، ونفيه لا ينفي الرؤية، يوضحه ما جاء في قصة موسى مع فرعون، حيث سرى موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر، فاتجه إلى جهة البحر الأحمر حسب أمر ربه جل وعلا، فلما أصبح فرعون جمع جنوده فتبعهم، فلما تراءى الجمعان وصار آخر جمع بني إسرائيل يرى جمع فرعون والعكس قال أصحاب موسى لموسى عليه السلام: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢] ، فنفى الإدراك مع ثبوت الرؤية والمعاينة، وهذا يدل على أن قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ليس معناه نفي الرؤية؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، والله تعالى لا يحاط به، فهو أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء.

وأما قوله: (لن تراني) فهو دليل على الرؤية؛ لأن هذا كان في الدنيا، وقد علقت الرؤية على ثبوت الجبل، وثبوت الجبل ممكن، وإذ قد علقت على شيء ممكن فهي ممكنة، وهذا في الدنيا، أما في الآخرة فالأمر غير ذلك.

إذاً فمن عقائد أهل السنة التي يجب على المرء أن يعتقدها الإيمان برؤية الله جل وعلا في عرصات القيامة، وسبق أن العرصات هي الأماكن والمواقف التي يقفون فيها، والعرصة في اللغة: المكان الذي لا بناء فيه.

فهي المكان الواسع حول البيت أو حول البلد الذي لا بناء فيه.

وعرصات يوم القيامة مواقفه، ومعنى ذلك أن الرؤية تحصل للمؤمنين في عدة مواقف يوم القيامة، وكذلك يرونه في الجنة.

والرؤية التي تقع للمؤمنين يرونه في كلها من فوقهم كما صرحت الأحاديث بذلك، وهي أحاديث بلغت حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الإيمان بها، وهي تدل على الأمور الآتية: أولاً: على كلام الله جل وعلا لأنه يخاطبهم.

ثانياً: على أنه يرى تعالى وتقدس.

ثالثاً: على أنه عال على جميع خلقه.

وهذه الأمور الثلاثة يكذب بها الخوارج والمعتزلة والرافضة ونحوهم، ويكفرون من يعتقدها.

والواقع أن الذي ينكرها كافر بالله جل وعلا؛ لأنه مكذب لكتاب الله جل وعلا ولأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وخليق بمن ينكرها أن يحرم ذلك يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>