[حديث:(إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه)]
قوله:(إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه) متفق عليه.
يبصق ويبزق لغتان، ولكن لغة الزاي أشهر، وهذه قليلة، وكلاهما صحيح، ولغة ثابتة.
وقوله:(قبل وجهه) يعني: أمامه، وهذا فيه تحريم البصاق أمام الإنسان، وكذلك عن يمينه، وهذا مطلق ليس في الصلاة فقط، بل حتى وإن كان خارج الصلاة؛ ولهذا قال:(ولكن عن يساره أو تحت قدمه) وإذا كان في الصلاة يجوز له ذلك إذا لم يكن يصلي في المسجد؛ لأن هذا خصص بالحديث الذي فيه:(البصاق في المسجد خطيئة) ، فلا يجوز أن يفعل الإنسان الخطيئة، قال:(وكفارتها دفنها) ؛ ولهذا جاء الإرشاد إلى أن يبصق في ردائه، فإذا بدره البزاق يضعه في ردائه ثم يفركه، وهذا دليل على أن البزاق طاهر ليس بنجس ولكنه مستقذر، وجاء في صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة:(أن رجلاً كان يصلي بقوم فبصق أمامه، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يكون إماماً، وأمرهم أن يتخذوا إماماً غيره، وقال له: إنك آذيت الله وآذيت رسوله) ، وهذه الأذية ليست لمجرد أدب، ولهذا قلنا: هذا يدل على التحريم، فالله جل وعلا أذيته أمر عظيم، وكذلك أذية رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله:(فإن الله قبل وجهه) قال الشيخ رحمه الله: هذا يجب أن يكون على ظاهره، فالله قبل وجهه وهو فوق عرشه، ومثل هذا قد يثبت للمخلوق، فمثلاً إذا قدر أن الإنسان يناجي السماء، فإن السماء تكون قبل وجهه وهي فوقه، والله أكبر من كل شيء، ولا يجوز أن يؤول هذا، ومن الغريب أن بعض المعتزلة استدل بهذا الحديث على مذهبه الباطل، وهذا من الغرائب فإنهم لا يستدلون بالحديث مهما كان، ولكن أهل الهوى إذا صار لهم متمسك في شيء مما يريدونه استدلوا به، وإلا قالوا: هو خبر آحاد، فهذا الرجل قال: حديث (لا يبزق قبل وجهه ولا عن يمينه) يدل على أن الله في كل مكان.
وليس معنى ذلك أنه يكون مرئياً؛ ومن أهل البدع من يقول: إن الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا كذا ولا كذا إلى آخره، ومقصودهم بهذا الكلام نفي أن الله جل وعلا فوق، وأنه ليس في السماء، وليس مستوياً على عرشه، ووجه استدلاله بهذا جعل الأمام مثل العلو، فدل على أنه لا فوق ولا أمام، وكذلك يكون في بقية الجهات، يعني: لا خلف، ولا يمين، ولا شمال، ولا تحت، كما أنه لا فوق ولا أمام، وهذا استدلال عجيب.
فهو استدلال بما هو دليل عليه، لكن هكذا إذا أراد المبطل أن يثبت باطله، ونظير ذلك أن بعض عظمائهم وكبرائهم استدل بدليل قريب من هذا على نفي العلو، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال: إني خير من يونس بن متى فقد كذب) ، فجعل الضمير يعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما وجه الاستدلال بهذا على نفي العلو؟ فشرط عليهم أن يدفعوا له مالاً حتى يخبرهم بوجه ذلك؛ لأنه قد أضافه غيره فلم يجد ما يقدمه له، فأعطوه مقصوده فقال: وجه ذلك أن يونس بن متى عليه السلام لما التقمه الحوت قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] ، ومحمد صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء السابعة صار أعلى مقاماً، لكن في هذا المقام هو ويونس سواء؛ لأنه قال:(لا تفضلوني على يونس بن متى) ، فهما في القرب من الله سواء، الذي في بطن الحوت في ظلمات البحار وقاع البحار والذي فوق السموات السبع سواء، هذا وجه الاستدلال.
وهو استدلال أعور، بل ليس له نظر أصلاً، وهكذا كلام أهل البدع، ولكن وجه الغرابة أنهم يردون نصوص الأحاديث، ثم إذا كان لهم فيها شيء يتعلقون به قالوا: إنه دليل لنا.