هي صفة ذات، فإنه لا يمكن أن يكون الله جل وعلا أسفل متدنياً؛ بل هو عالٍ دائماً، ولا يمكن أن يكون شيء من خلقه فوقه، فمخلوقاته جل وعلا كلها تحته، وهو فوق مخلوقاته كلها؛ لأنه أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأعلى من كل شيء، له العلو المطلق، وله العظمة المطلقة، وهو الكبير المتعال، ومن هنا امتنع أن تكون هذه الصفة فعلية؛ لأنها ملازمة للذات أبداً، وأما الأخبار التي جاءت في القرآن وفي الأحاديث من أنه جل وعلا يأتي يوم القيامة إلى الأرض لفصل القضاء بين خلقه؛ لأن الناس يكونون على الأرض واقفين، فيأتي إليهم، كقوله الله جل وعلا:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الزمر:٦٨-٦٩] ، فإشراق الأرض بنوره إذا جاء لفصل القضاء، وقوله جل وعلا:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[البقرة:٢١٠] ، وقوله جل وعلا:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[الفجر:٢٢] ، هذا كله دليل على أنه يأتيهم إلى الأرض، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله ينزل عشية عرفة إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الموقف الملائكة) ، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن الله ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيعطى؟) ، وفي رواية:(لا أسأل عن عبادي غيري) ، فهذه الأدلة كلها تدل على النزول إلى السماء الدنيا، والنزول إلى الأرض، ينزل وهو فوق العرش، ولا يكون شيء فوقه، لا سماء، ولا عرش، ولا غيرهما، فهو جل وعلا لا سماء تظله، ولا شيء يقله بمعنى يحمله، بل هو الغني بذاته عن كل ما سواه، لا يحتاج إلى شيء.
والمقصود أنه يجب أن يعلم العبد أن الله أكبر من كل شيء، والسماوات على سعتها يقبضها ربنا جل وعلا بيده، ويطويها بيمينه، وتكون حقيرة صغيرة ليست شيء بالنسبة إليه، فكيف يتصور أن شيئاً من المخلوقات يكون أكبر منه تعالى وتقدس؟! ولهذا شرع للإنسان أن يقول: الله أكبر عندما يرى شيئاً عظيماً، أو إذا ارتفع على مرتفع أو غير ذلك؛ لأن الله أكبر من كل شيء.
فهذا وجه كون صفة العلو ذاتية، وإنما الفعلي هو الاستواء، والاستواء خاص ثبت بالأدلة الشرعية، أما هذا فهو عام.