وقوله:(واتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم) المقصود بالآثار الشيء الذي يؤثر عنه قولاً وعملاً وفعلاً وتقريراً، وليس المقصود الآثار الحسية التي كان يطؤها ويسير عليها أو يقيم عليها، فإن هذا لا يجوز تتبعه لما جاء من التحذير عن ذلك، وأنه سبب هلاك من كان قبلنا، وقد كان عبد الله بن عمر يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل مكان علم أنه جلس فيه يجلس فيه، أو صلى فيه يصلي فيه، حتى إنه عرف مكاناً، بال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ ثم صب بقية وضوئه على شجرة هناك، فكان عبد الله بن عمر يصنع هذا.
وهذا مما أنكره عليه كبار الصحابة مثل والده وغيره من الصحابة، وقالوا: إن هذا العمل ليس مشروعاً، ولا يجوز فعله؛ ولهذا السبب قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها الصحابة بيعة الرضوان، لما رأى بعض الناس يؤمها ويصلي عندها؛ لأن الله ذكرها في القرآن في قوله:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:١٨] فخشي أن يفتتن الناس بها، وهذا هو الذي عليه أهل السنة.
فاتباع الآثار يقصد به الأمور الشرعية، ولا يقصد به اتباع آثار الفعل من الجلوس والمبيت والصلاة في مكان ما، فإذا أدرك الإنسان الصلاة صلى فيها وإلا سار، ولا يقصدها ليصلي بها؛ لأنها غير مخصصة للصلاة، وليس فيها ميزة عن غيرها، وهذا هو الصواب الذي يقوله أهل السنة.
وقوله:(باطناً وظاهراً) يعني: اتباع السنة باطناً وظاهراً، ويقصد بهذا أنه لابد من العمل الظاهر، ولابد أن يكون الإنسان مخلصاً في نيته، قاصداً بذلك وجه الله تعالى، فهذان شرطان لكل عبادة تصدر من الإنسان: أن يكون متبعاً، وأن يكون مخلصاً قاصداً وجه الله، ليس فيه في عمله قصد لأمر من أمور الدنيا، أو مراءاة الناس أو غير ذلك؛ لهذا قال: باطناً وظاهراً، فالباطن هو إخلاص النية، والظاهر هو العمل المشاهد الذي يتبع فيه سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ لأن الله جل وعلا يقول:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[التوبة:١٠٠] .
وقوله:((اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)) يشمل كل من تبعهم إلى يوم القيامة، وهذا يعني أن أهل السنة يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويترسمون خطاهم؛ لأنهم يقيناً على الحق؛ لأنهم رضي الله عنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تبليغه أوامر الله جل وعلا، وتلقوا ذلك عنه، وفهموا ما خوطبوا به فهماً لا يتطرق إليه أي شك، فصار معلوماً باليقين أنهم على الهدى، وأن الضلال في الانحراف عن طريقتهم.
وسبق أن المهاجرين مقدمون في الفضل على الأنصار لما سبقوا به من الإيمان ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله، ولما انضم إلى ذلك من ترك الوطن والمال والأهل، رغبة في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به، والرغبة فيما عند الله جل وعلا.