[عموم فتنة القبر لجميع البشر]
[فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر] .
المقصود بفتنة القبر سؤاله، ويكون لكل ميت سواء قبر أو لم يقبر، وكذلك العذاب؛ لأن القبر اسم لما بعد الموت، سواء دفن الميت في الأرض، أو ألقي في البحر، أو أكلته السباع، أو احترق بنار، أو ترك على وجه الأرض أو غير ذلك، فلا بد من السؤال، وبعد السؤال لا بد من العذاب أو النعيم.
وهذا شيء عام، إلا أن الأحاديث جاءت باستثناء بعض عباد الله، مثل الذي يموت مرابطاً في سبيل الله، ومثل الشهيد الذي يموت شهيداً في المعركة، ونحوهما مما جاءت الأخبار به؛ فإنه قد صحت الأخبار بأنه يأمن من فتنة القبر.
وأما الفتنة فإن الناس يفتنون في قبورهم، ومعنى الفتنة الاختبار، فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ والمقصود بالرجل كل ميت من ذكر أو أنثى، وقد اختلف في الصغار هل يفتنون أم لا؟ فمن العلماء من أثبت ذلك، واستدل بعمومات جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنه غير مكلف فلا يفتن.
وجاءت بعض الآثار تنص على أنه يسأل في قبره.
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧] ، فالتثبيت في الحياة الدنيا أن يكون ثابتاً على عقيدة الحق ولو ابتلي وامتحن أو قتل أو حرق، فيثبته الله على ذلك إذا أراد به الخير.
وأما في الآخرة فالمقصود به ما بعد الموت، وذلك إذا وضع في قبره، وقد تواترت الأحاديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإنسان إذا وضع في قبره وانصرف عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان بعدما تعاد إليه روحه، فيسألانه يقولان: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ أما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقولان له: وما يدريك -أي: ما دليلك على ذلك-؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به.
وأما المنافق والكافر فيقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته) ، وفي رواية: (فيقول: لا أدري رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلته.
فيقولان له: لا دريت ولا تليت.
فيضربانه بمطرقة من حديد لو ضربا بها جبلاً لتدكدك، فيلتهب عليه قبره ناراً، فيصيح صيحة يسمعه كل من يليه ما عدا الجن والإنس) .
فقوله: (كل من يليه) أي: من الشجر والحجر والبهائم القريبة منه.
وليس كل شيء يسمع صوته، ولكن يسمعه من كان قريباً من صوته من حجارة وشجر وبهائم، وقد جرب الناس ذلك قديماً، فكانوا إذا استمسك بطن الفرس أو الناقة أتوا بها إلى المقابر فترتاع وتهرب، فينطلق بطنها من شدة الخوف الذي سمعته وهي بهيمة، وهذا من باب التجربة، وقد أطلع الله جل وعلا من يشاء من خلقه على أشياء كثيرة من هذا.
والسؤال يكون عاماً في الظاهر كما في هذا الحديث؛ فإنه للمؤمن والمنافق والكافر، ووقع الخلاف في الأطفال، ولم يأت نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يسألون ولا أنهم يسألون، وإنما أخذ ذلك من عمومات النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا اختلف العلماء، فمنهم من أثبت ذلك كـ القرطبي في التذكرة وغيره، واستدلوا بأشياء ذكروها من الآثار ومن الأحاديث الصحيحة بمفهومها، ومنهم من نفى ذلك وقال: إنهم غير مكلفين، وإنهم ولدوا على الفطرة.
واستدلوا بأشياء أيضاً، والله أعلم.