للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية]

يقول المصنف رحمه الله رحمة واسعة: [وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره.

والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.

فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب! قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:٧٠] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:٢٢] وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً: فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء.

وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه: (بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) ونحو ذلك.

فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً، ومنكره اليوم قليل] .

انتقل المصنف إلى أصل آخر من أصول الإيمان التي لابد منها، والذي لا يؤمن به لا يكون مؤمناً بل لا يكون مسلماً يعني: يكون كافراً وهو: الإيمان بالقدر.

فقال: (وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره) .

وقد سبق شرح قوله: (الفرقة الناجية) وأن الناجية: وصف للفرقة وأن النجاة تكون في الدنيا أولاً ثم تكون في الآخرة، أما النجاة في الدنيا فهي أنهم لا يفتتنون في دينهم، ولا ينكصون على أعقابهم ولا ينالهم أذى، بل ربما قتلوا وربما أصيبوا بأضرار كثيرة ولكن الله يثبتهم على دينهم فيكونون على ذلك منصورين، كما حصل لأولياء الله جل وعلا السابقين من الرسل وغيرهم، فإنهم ثبتوا على الدين وإن قتل من قتل منهم ومع ذلك فهم منصورون وناجون؛ لأن الذي يثبت على عقيدته وعلى أمر الله جل وعلا منفذاً له في طاعة الله يكون منصوراً.

وقوله: (أهل السنة والجماعة) وصف للفرقة الناجية بأنهم أهل السنة، يعني: اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سنه، وتمسكوا بذلك، وهم أهل جماعة ليسوا أهل فرقة؛ لأن من صفة هذه الفرقة أن تجتمع على الحق امتثالاً لأمر الله كما قال جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] فالتفرق ليس من صفة هذه الفرقة بل هو من صفة أهل البدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>