قوله:(وجب الإيمان بها كذلك) ، (كذلك) : يعني: مثلما سبق في وجوب الإيمان بما وصف الله جل وعلا به نفسه في كتابه من غير تمثيل ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا تكييف.
يعني: يجب أن يؤمن به بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف، بل يقبل النص على ظاهره كما قاله الله جل وعلا وكما قاله صلوات الله وسلامه عليه، وهذا هو الواجب لأمور: الأول: أن الله جل وعلا خاطبنا بلغة فصحى، وخاطب قوماً فصحاء بلغاء يعرفون اللغة، ولم يخاطبهم بألغاز وأحاج وكلام غريب، وهذا هو الخطاب الذي يقصد به القبول.
الثاني: أن المتبادر هو الظاهر، فلا يجوز أن نعدل عنه.
الثالث: أننا أمرنا بقبول ذلك وأخذه.
الرابع: أن الله كلف رسوله صلى الله عليه وسلم بالبيان، فقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:٦٧] ، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه كلمة واحدة في أن -مثلاً- يد الله نعمته، أو أن استواءه على عرشه استيلاؤه على خلقه، أو أن رجله نوع من الخلق، أو أن رحمته ثوابه وما أشبه ذلك، ما جاء شيء من ذلك ولا في حديث ضعيف، وهذا يعطينا الثقة بأن المقصود هو الظاهر.
الخامس: أن الصحابة الذين تلقوا ذلك عنه صلوات الله وسلامه عليه لم يعرف عنهم شيء لا بأفعالهم ولا بأقوالهم يدل على أنهم فهموا من خطاب الله وخطاب رسوله صلى الله عليه وسلم غير الظاهر، وهم أولى بالحق وأجدر به كما شهد لهم ربنا جل وعلا، وشهد رسوله صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون، وأنهم أفضل الأمة، بل الله اختارهم له إلى غير ذلك من الأوجه.
أما السنة فنقول أيضاً: إن الظاهر الواجب قبول ظاهر اللفظ على ما يفهم من لغة العرب، هذا الواجب ولا يجوز العدول عن ذلك؛ لما سبق، ولأن الله جل وعلا بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بأفصح الكلام، وهو أفصح الناس وأقدرهم على البيان، وهو صلوات الله وسلامه عليه شفيق على أمته، حريص على هدايتهم، ومع هذه الأمور لا يمكن إلا أن يبين ويوضح صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أمر واضح وجلي لا يخفى، ولكن من أشرب قلبه البدع والهوى واتباع الباطل فإنه قد يعمى عن الأمور الظاهرة الجلية الواضحة.