للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شروط قبول الأعمال]

قال: (وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؛ فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها) .

هذه هي المحاسبة، أي أنه يقال للكافر: هذه أعمالك التي عملتها، فهل تقر؟ ولابد من الإقرار بها.

وفي صحيح مسلم: (أن الكافر يجزى بحسناته في الدنيا، فيوافي يوم القيامة ولا حسنة له) ، وكونه يجزى في الدنيا؛ لأن الله جل وعلا لا يقبل من الكافر عملاً يثاب عليه؛ لأن قبول العمل له ثلاثة شروط، لابد أن يتوافر فيه ثلاثة شروط: الشرط الأول: الإيمان.

كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه:١١٢] .

أي: حالة كونه عمل وهو مؤمن؛ إذ لابد من الإيمان.

الشرط الثاني: أن يكون على السنة.

أي: أن العمل جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس بالاختراعات والآراء والاستحسانات؛ لأن البدع كما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، أي: مردود عليه لا يقبل.

الشرط الثالث: الإخلاص بأن يكون العمل خالصاً لوجه الله جل وعلا، كما قال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠] ، فعلى هذا أي عملٍ يعمله الكافر فإنه لا يُعتد به ولا ينفعه، ولكن من كرم الله وجوده وتمام عدله أنه يجزيه به في الدنيا إذا كان العمل عمله لله، فإذا عمل الكافر عملاً لله، مثل صلة الرحم، وإطعام الفقراء، والإحسان إلى المحتاجين وما أشبه ذلك فإنه يجزى به في الدنيا.

وأكثر الكفار يقولون: نعمله إحساناً للإنسان.

ولا يقصدون به وجه الله، وإنما يقولون: نعمله للإحسان إلى الناس.

لأن الإنسان له قيمته وله كرامته، وينبغي أن يحسن إليه، وإذا عملوا ذلك يجزون أيضاً كما في هذا الحديث الصحيح، يجزون به في الدنيا، وجزاؤهم في الدنيا هو صحة أبدانهم ووفرة أموالهم وأولادهم وما يُعطون من المنافع التي يستهلكونها في الدنيا.

(أما المؤمن فإنه يعطى بحسناته في الدنيا ويجزى عليها أيضاً في الآخرة) ، وهذا أيضاً جزء من تمام الحديث الذي في الصحيح، والذي لا يحصل له شيء من جزاء أعماله في الدنيا يكون جزاؤه أكمل في الآخرة، ولهذا ذكر عبد الرحمن بن عوف -وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم- حالتهم السابقة فقال: إنا آمنا وهاجرنا، فمنا من استكمل حسناته ومنا من عجلت له بعض حسناته، وأخشى أن أكون ممن عجلت له حسناته.

يعني: ليس الذي يعجل له شيء من الحسنات كالذي مات ولم يأخذ شيئاً من الجزاء.

والله جل وعلا كرمه واسع، وقد أمرنا وشرع لنا أن نقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١] ، فعلى المؤمن أن يسأل ربه في الدنيا والآخرة، وفضل الله واسع وكرمه يعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>