للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا يجوز تشبيه الله بخلقه وقياس أفعاله وصفاته على أفعالهم وصفاتهم]

قوله: (وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته) ؛ لأن هذا من خصائص الله وصفاته، ولا يجوز أن يكون ذلك نظير وصف مخلوق، فإن المخلوق إذا كان عالياً لا يكون باطناً، ولا يكون قريباً، وإنما هذا لصغره ولضعفه ولكونه محتاجاً وفقيراً، ولا يجوز أن يفهم الإنسان مما وصف الله جل وعلا به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يفهمه من الأجسام والمخلوقات الصغيرة الفانية الفقيرة، فإن الله ليس كمثله شيء، فهو عال في استوائه ودان في قربه ومعيته، وهذا خاص به جل وعلا.

وقد سبق أن معيته وقربه لا تنافي علوه وبينونته عن خلقه وكونه فوق الخلق كلهم، بل هذا حق وهذا حق على ظاهره، ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم يشكل عليهم ذلك لما خوطبوا به، بل فهموه على ظاهر اللفظ، ولو أشكل لسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألوه عن الأحكام التي أشكلت حتى بينت لهم، وعدم السؤال منهم يدل على أنه ظاهر وجلي عندهم، ولا سيما أن هذا من أمور الإيمان التي يجب على الإنسان فهمها وتحقيقها.

ولهذا نقول: إن هذه الأمور داخلة في الإيمان الواجب، فالذي لا يؤمن بذلك يكون إيمانه إما منتفياً، أو ناقصاً النقص الذي يعاقب عليه؛ لأنه نقص في شيء واجب، ومسائل الإيمان بعضها مرتبط ببعض، فمن لم يصف الله جل وعلا بالعلو فقد كفره السلف كما روي ذلك عن طوائف منهم، وكذلك الذي يصفه بأنه داخل العالم كفروه؛ لأنه لم يؤمن بالله الإيمان الذي يجب على العبد.

قوله: (فإنه سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في جميع نعوته) وكذلك (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في أوصافه وأفعاله و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في ذاته، وهذا أمر متفق عليه بين أهل السنة وأهل البدع، فلا يخالف أحد في أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في ذاته، فإذا كان كذلك فهذا أصل يجب أن تتبعه بقية خصائصه: من أن أوصافه ليس كمثله فيها شيء، وكذلك أفعاله وكذلك حقوقه التي تلزم عباده فإنه لا يجوز أن يمثل في خلقه بشيء من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>